عقبة بن نافع قائد الفتوحات الإسلامية وتأثيره في التاريخ الإسلامي

عقبة بن نافع، المشهور تاريخياً بـ مرنك إفريقية، واحد من أبرز القادة الفاتحين في التاريخ الإسلامي، استطاع أن يشق طريقه إلى إفريقيا وبلاد المغرب العربي لنشر الإسلام فيها، فأحدث تحولاً سياسياً وتاريخياً واجتماعياً هاماً في تلك الأقاليم، لكنه بالرغم من ذلك لم يسلم من حملات التشويه المتعمدة التي طالته، كما طالت غيره من القادة المسلمين.

عقبة بن نافع

سيرة القائد عقبة بن نافع


في مقالنا هذا، سنتطرق معكم حول سيرة القائد عقبة بن نافع منذ ولادته، مروراً برحلاته الجهادية لنشر الدين الإسلامي، وانتهاءاً باستشهاده. اقرأ للنهاية.

من هو عقبة بن نافع


عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري القرشي، هو صحابي بالمولد، فقد وُلِد في السنة الأولى قبل الهجرة النبوية بمكة المكرمة.

أمه من قبيلة المعز من بني ربيعة، وهي ترتبط بصلة قرابة للصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه.

وقيل إن عقبة وبن العاص ابني الخالة، أما عن والده نافع، فهو أحد أشراف مكة، وقد اعتنق الإسلام قديماً.

وبهذا، فقد وُلِدَ عقبة ونشأ في بيئة إسلامية خالصة.

مسيرة مبكرة مع الفتوحات الإسلامية


انخرط عقبة في حركة الجهاد الإسلامي مبكراً، فقد اشترك مع أبيه في فتح مصر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه، الذي توسم في عقبة خيراً لما أظهره هذا الأخير من حسن تصرف وإقدام وشجاعة في القتال.

لذا أرسله إلى بلاد النوبة لفتحها، فواجه هناك مقاومة كبيرة من قبل النوبيين، لكنه مهّد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد.

ثم أسند إليه عمرو بن العاص رضي الله عنه مهمة قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الإفريقي، إلى جانب تأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر.

فقاد عقبة كتيبة قتالية لتنفيذ تلك المهمة. ثم اشترك عقبة بن العاص رضي الله عنه في فتح تونس، فأسند إليه بن العاص ولاية برقة بعد فتحها، وعاد إلى مصر.

توالى على حكم مصر بعد عمرو بن العاص رضي الله عنه الكثير من الولاة، منهم عبدالله بن أبي السرح ومحمد بن أبي بكر ومعاوية بن حديج رضي الله عنهم وغيرهم.

فأقروا جميعاً عقبة بن نافع في منصبه كقائد لحامية برقة.

وهكذا ظل ابن نافع في هذا المنصب خلال عهدي الصحابيين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

حيث بدأت الفتن تعصف ببلاد المسلمين، فكيف سيتصرف بن نافع إزاء ذلك؟

عقبة بن نافع يعتز بالفتنة الكبرى ويتبع حركة الجهاد


سرعان ما اندلعت الفتن بين المسلمين عقب مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد امتدت تلك الفتن إلى البلاد التي فتحت حديثاً، الأمر الذي استدعى وقفةً حازمةً، حتى لا ينفرط عقد الدولة الإسلامية.

وهكذا فضل عقبة بن نافع النأي بنفسه عن تلك الفتن، وجعل شغله الشاغل الجهاد في سبيل الله، ونشر الإسلام بين قبائل البربر، والدفاع عن البلاد ضد هجمات الروم.

فلما استقرّت الأمور وأصبح معاوية بن أبي سفيان خليفةً للمسلمين، عين معاوية بن حديج والياً على مصر.

وكان أول قرار اتخذه هو إرسال عقبة بن نافع إلى الشمال الأفريقي لبداية حملة جهادية قوية وجديدة، لمواصلة الفتح الإسلامي الذي توقفت حركته أثناء الفتنة، وذلك عام 49 للهجرة.

عقبة بن نافع يطهر المنطقة من نفوذ الروم والقبائل البربرية المتفرقة


لما كانت هناك عدة بلدان قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين، فقد انطلق عقبة بن نافع على تلك البلاد، فأدب أهلها وأنزل بهم عقوبات قاسية، حتى لا تسول لهم أنفسهم محاربة المسلمين مرة أخرى.

كما توغل بنحو 10 آلاف فارس في بلاد المغرب لمحاربة القوات الرومية، حتى استطاع عقبة وجنوده أخيراً أن يطهروا منطقة الشمال الأفريقي من الحاميات الرومية المختلفة والقبائل البربرية المتناثرة.

كانت أحوال المسلمين في القارة الأفريقية مضطربة، فقد استاء عقبة من كثرة ارتداد البربر ونقضهم للعهود. وبشأن ذلك يقول عقبة بن نافع:

إن إفريقيا إذا دخلها إمام أجابوه إلى الإسلام، فإذا خرج منها رجع من كان أجاب منهم لدين الله إلى الكفر. وأرى لكم، معشر المسلمين، أن تتخذوا بها مدينة، نجعل فيها عسكراً، وتكون عِز الإسلام إلى آخر الدهر.

لماذا بنى عقبة بن نافع مدينة القيروان


بنى عقبة بن نافع مدينة القيروان عام 48 للهجرة في منطقة تونس حالياً، حتى تكون حصناً منيعاً ضد هجمات الروم، وفي نفس الوقت تنطلق منها جيوش المسلمين فاتحة، ويخرج منها العلماء والفقهاء ليعلموا الناس اللغة العربية وأمور دينهم.

وقد اكتمل بناء المدينة عام 55 للهجرة لتصبح واحدة من أهم وأقدم المدن الإسلامية، حتى إنها بقيت حوالى أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقيا والأندلس، ولا زالت معالمها حتى الآن شاهدة على تلك الحقبة التاريخية المهمة.

ومن أبرز تلك المعالم جامع القيروان الكبير الذي يحمل اسم القائد عقبة بن نافع.

استجابة القائد عقبة لدعائه


قبل أن نواصل رحلتنا مع عقبة بن نافع، يجدر بنا أن نتوقف قليلاً عند بناء مدينة القيروان. إذ تذكر المصادر الإسلامية أنه عندما أمر عقبة بن نافع أصحابه بالبناء، قالوا:

هذه غِيَاض كثيرة السباع والهَوَام، فنخاف على أنفسنا هنا.

وكان عقبة مستجاب الدعوة، فجمع من كان في عسكره من الصحابة، ونادى:

أيَّتُها الحشرات والسباع، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارحلوا عنا، فإنا نازلون، فمن وجدناه بعدُ، قتلناه.

فنظر الناس يومئذ إلى أمر هائل، كان السبع يحمل أشباله والذئب يحمل جراءه والحية تحمل أولادها، وهم خارجون أسرابًا أسرابَا. فحمل ذلك كثيراً من البربر على الإسلام.

عقبة بن نافع يصل بفتوحاته إلى ساحل المحيط الأطلسي


عندما تولى مسلمة بن مخلد حكم مصر، قام بعزل عقبة بن نافع من منصبه، فاستاء هذا الآخر من ذلك وذهب إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في دمشق، يشكوه إليه ذلك.

فوعده معاوية برده إلى ولايته، لكن ما لبث أن توفي معاوية وتولى الخلافة ابنه يزيد.

فرد عقبة والياً على إفريقيا، وولاه المغرب عام 62 للهجرة.

فتابع عقبة مسيرة الفتح، ففتح مدينة باغاية، ثم ذهب إلى تلمسان، واشتبك مع الروم وكفار البربر في معركة حامية الوطيس، فكان النصر حليف المسلمين، وأُجبِر الأعداء على التراجع إلى بلاد الزاب.

سار عقبة بن نافع إلى بلاد الزاب، فقصد أعظم مدينة فيها وهي أربة، فدار بينه وبين الروم قتال عظيم انتهى بفتح المسلمين لمدينة أربة.

ثم رحل عقبة بعدها إلى مدينة تاهرت، وهناك التقى المسلمون بأعدائهم من الروم والبربر، وقاتلوهم قتالاً شديداً، وانتصر المسلمون في تلك المعركة أيضاً.

ثم انطلق عقبة قاصداً بلاد السوس الأدنى، حيث التقى بجموع بربر أطلس الوسطى، فهزمهم وطاردهم نحو صحراء وادي درعة، ومن ثم غادر صحاري مراكش باتجاه الشمال الغربي إلى منطقة تافيلالت.

من أجل أن يدور حول جبال الأطلس العليا كي يدخل بلاد صنهاجة الذين أطاعوه دون قتال، وكذلك فعلت قبائل هسكورة في مدينة أغمات.

ليتجه بعدها عقبة نحو الغرب إلى مدينة تفيس، إذ حاصر جيشاً من البيزنطيين والبربر، فلم ينفعهم تحصنهم، فدخل المدينة منتصراً.

وبذلك أتم تحرير بلاد السوس الأقصى، ودخل عاصمتها إيجلي، ثم دعا القبائل فيها إلى الإسلام، فأجابته قبائل جزولة.

وبعد ذلك، سار إلى مدينة ماسة، ومنها إلى رأس إفران على البحر المحيط.

وبوصول عقب ابن نافع إلى ساحل المحيط الأطلسي، يكون قد أنجز تحرير معظم بلاد المغرب.

وتذكر المصادر التاريخية أن عقبة لما وصل إلى المحيط الأطلسي، قال:

يا رب، لولا هذا البحر، لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك.

ثم قال:

اللهم، اشهد أني قد بلغت الجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد، أقاتل من كفر بالله، حتى لا يعبد أحد من دونك.

استشهاد عقبة بن نافع


لم ينعم عقبة بن نافع رضي الله عنه بانتصاراته طويلاً، فأثناء عودته إلى القيروان، استغل كُسَيْلَة زعيم البربر قلة جند عقبة، واتفق مع الروم على قتال المسلمين.

فالتقى الفريقان في معركة حامية الوطيس، انتهت باستشهاد عقبة بن نافع وكل من معه في أرض الزاب بتهوذة عام 63 للهجرة.

وهكذا، أسدل الستار على واحد من أعظم الفاتحين في التاريخ الإسلامي.

المصادر:

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال