قارون: الرجل الأغنى في التاريخ وكنوزه المفقودة

إنه أغنى رجل عرفه التاريخ، قارون. ذلك الرجل الذي أعطاه الله أموالًا طائلة، فجحد النعمة وبغى على قومه. فكان أن جعله الله عبرة لمن يعتبر. لكن أين اختفت كنوز قارون الطائلة؟ وما سر ثروته الأسطورية تلك؟ وهل توصل الباحثون حقًا إلى طرف الخيط الذي يمكن أن يوصلنا إلى تلك الكنوز؟

قارون

من هو قارون؟


"إنه يمتلك أموال قارون"، مقولة أصبحت تُندر في إشارة إلى رجل بالغ الثراء. لا عجب، فقارون من الشخصيات الأيقونية التي وردت في الكتب السماوية، القرآن الكريم والإنجيل والتوراة، والتي سجلت لنفسها مكانًا في الذاكرة الشعبية والعقل الجمعي بشكل كبير. فصارت مضربًا للمثل في الغنى والثراء. ففي يومنا هذا يقال على من يمتلك أموالًا كثيرة بأنه يمتلك أموال قارون.

إذا، من هو قارون هذا وما سر شهرته الأسطورية تلك؟ قارون بن يصهر بن قاهث، رجل من بني إسرائيل ومن قوم النبي موسى عليه السلام. ويقال أنه ابن عم موسى، إذ أن موسى هو ابن عمران بن قاهث، فهما أولاد عمومة. كان قارون وزيرًا للشؤون العبرانيين في عهد فرعون مصر. لم يكن أحد بدرجة ثرائه، فقد كان أغنى رجل في الأرض.

حتى إن مفاتيح الحجرات التي تحوي كل كنوزه كان وزنها ثقيلًا لدرجة أنه يصعب حملها بواسطة عدد من الرجال الأشداء. بل ويقال أن مفاتيح كنوزه كانت تحمل على 60 بغلا. وإذا كان هذا حال مفاتيح الكنوز فقط، فكيف كانت الكنوز ذاتها؟ كما يُقال أيضًا أن قارون كان السبب الرئيسي وراء كمية الذهب لدى الفراعنة، لشدة علمه وذكائه.

ما سر شهرة قارون؟


أما عن سر ثروة قارون، فهي محل خلاف بين الباحثين. فقيل بأن مصدر ثروته كانت التجارة التي كان بارعًا فيها، ويقال أيضًا بأن قارون قد طلب من موسى أن يرزقه الله علمًا عظيمًا. فرزقه الله علم الكيمياء الكامل، حيث استطاع قارون أن يقوم بتحويل التراب إلى ذهب بعملية كيميائية بحتة. فقد كان لبسه من ذهب، وسريره وكرسيه من الذهب.

وكان لديه مخزون عظيم من الذهب، حتى أبواب قصره كانت من الذهب، وعظمت ثروته. لكن بدلاً من أن يشكر قارون نعمة الله عليه، اغتر بماله و بذكائه، وتعالى على قومه، وبغى عليهم. ولم يستمع إلى نصيحة أهل الإيمان له بالقصد والاعتدال، وتذكر نعمة الله عليه، وحذروه من الفرح الذي يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال.

ونصحوه بالتمتع بالمال في الدنيا، من غير أن ينسى الآخرة، مطالبين إياه بالإحسان للفقراء والمحتاجين، وبالكف عن الفساد في الأرض. بل أجابهم وقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، قائلاً: "إنما أوتيته على علم عندي". وزيادةً على التكبر والعناد، خرج بكامل زينته وأمواله في موكب مهيب، وفتن به قومه وغرهم مافيه من الغنى والبذخ. فقالوا: "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون، إنه لذو حظ عظيم". فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان، قائلاً: "وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَلَا يُلَقَاهَا إِلَّا صَابِرُونَ".

كيف كانت نهاية قارون ؟


ومع استمرار قارون في بغيه وتحوله إلى فتنة عظيمة في قومه، جاء عقاب الله حاسمًا. ففي لمحة خاطفة، ابتلعته الأرض وابتلعت داره، ولم يجد أحد ينصره، ولم ينفعه ماله ولا رجاله. في دهشة واعتبار بدأ يتحدث الناس إلى بعضهم البعض، فقال الذين كانوا يتمنون بالأمس أن يكون عندهم مال قارون وسلطانه وزينته وحظه في الدنيا: "ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، لولا أن من الله علينا لخسف بنا، ويكأنه لا يفلح الكافرون". هكذا انتهت قصة قارون لتبقى عبرة لمن يعتبر. لكن البعض ذهب بتفكيره إلى أمر آخر وتساءل: أين اختفت كنوز قارون؟

أين اختفت كنوز قارون ؟


الواقع أن هناك الكثير من الأقاويل حول مكان كنوز قارون. فقد قيل إن قصر قارون، الذي يقع في الطرف الجنوبي الغربي لبحيرة قارون بمحافظة الفيوم جنوبي غرب مصر، هو بقايا القصر الخاص بقارون الذي ذكر في القرآن.

ويردد أهالي المنطقة أن البحيرة المجاورة للقصر كانت ضمن محيط القصر، الذي كان يتواجد به ثلاثة ألاف غرفة فوق وتحت الأرض. يتعرض كل من دخل إليه للإرتباك أو صدمة ويخرج فاقدًا عقله. وبحسب ما ورد في بعض المصادر، فقد زعم البعض أنه كان في واجهة القصر كرسي قارون مزخرف بالذهب، وأسفل كرسي العرش حفرة كبيرة مظلمة ممتدة إلى أسفل بعمق ثلاثة أدوار، ويقال إن بها جثة قارون.

وكل شيء في القصر كان من الذهب، بالإضافة إلى ملابسه. كما وجدوا في حجرته الواسعة مستندات من ورق البردي، كتب عليها حسابات وأرقام. وتساءل البعض: هل هذه الحسابات هي معادلات كان يستخدمها قارون في تحويل التراب إلى ذهب؟ لكن علماء الآثار يؤكدون أن كل تلك المعلومات غير حقيقية.

ويقولون بأن المصريين القدماء أطلقوا عليه قصر قارون لوجوده بالقرب من بحيرة قارون، المجاورة له، والتي تم تسميتها بهذا الاسم لكثرة القرون والخلجان بها. فأطلق عليها في البداية بحيرة القرون قبل أن تحرف إلى بحيرة قارون. وبالنسبة للعدد الكبير من الغرف في القصر، فقد كانت تستخدم لتخزين الغلال واستخدامات كهنة المعبد في هذا الوقت.

ثم تبين أن تلك المعلومات وأن من روجها هم اليهود خلال تواجدهم في مصر، حيث أشاعوا أن القصر هذا لقارون المذكور في القرآن وقورح المذكور في التوراة. فقورح، بحسب ما ورد في التوراة، هو من سبط لاوي بن يعقوب، والذي تزعم التمرد على نبي الله موسى وهارون. فعاقبه الرب بأن انشقت الأرض وابتلعت كل جماعة قورح وبيوتهم وكل ما كان مع قورح.

ليس هذا فحسب، بل وأشاع اليهود كذبًا أن قارون هو الملك المصري أمنمحات الثالث، وهو أشهر ملوك الأسرة الثانية عشرة. وكان له نشاط عسكري وتجاري واستصلاح أراضٍ يشهد عليه الهرم المسمى باسمه ومعبده الجنائزي في هوارة، وهرمه في دهشور. لكن كل تلك الشائعات غير صحيحة، وأشار بعض العلماء إلى أن هذا المبنى الذي يقال بأنه قصر قارون هو معبد قديم لدينيسيوس.

وهو معبود الفرح والمتعة عند اليونان قديمًا، وليس له علاقة بقارون وقصره. كما أنه ليس هناك ما يثبت أن بحيرة قارون الحالية كانت المكان الذي عاش فيه قارون. يعتقد بعض الصيادين والسكان الذين يعيشون بالقرب من بحيرة قارون أن كنوز قارون الهائلة موجودة في مكان ما تحت سطح البحيرة، ويعتقدون أن هناك حورية بحر تحرس تلك الكنوز.

حتى إن هناك من ادعى رؤيته لحورية بحر في البحيرة الشهيرة، وقد افتتنوا بجمالها وسحرها. وعلى الرغم من صعوبة تصديق هذا الأمر، إلا أن العديد من الناس غاصوا في أعماق البحيرة أملاً في العثور على تلك الكنوز الغارقة، ولكن لم يعثر عليها أحد حتى الآن. في حين ذهب البعض إلى أن قصر قارون كان يقع في منطقة نينوى بالعراق.

وربط بعضهم بين قارون وبين أحد ملوك نين القدامى الذي يُدعى أبولو، والذي كان يمتلك أموالًا طائلة محفوظة في كنوز تحت الأرض. هكذا نجد أن هناك الكثير والكثير من التكهنات حول مكان كنوز قارون، وكل فترة يظهر من يدعون بأنهم يعرفون مكان تلك الكنوز. لكن الحقيقة أن هذا أحد أسرار التاريخ التي لم يتم الكشف عنها حتى الآن، وربما لن يتم الكشف عنها أبدًا.

3 تعليقات

  1. شكرا جزيلا، المقالة أشبعت فضولي حول الموضوع ☺️

    ردحذف
  2. شكرا على المحتوى القيم

    ردحذف
  3. المقالة تحمل رسالة إيجابية وملهمة، شكرًا للإلهام!

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال