قصر الحمراء بين تاريخ الماضي وروعة الحاضر

قصر الحمراء، في قديم الزمان وتحديداً في الفترة من عام 711 م لعام 1492 م، اشتملت الحضارة الإسلامية على جزء من أراضي شبه الجزيرة الأيبيرية، ألا وهو الأندلس. والذي تعتبر العمارة الإسلامية فيها جوهرة حقيقية في قلب أوروبا، لدرجة أن عمارتها تفرعت من العمارة الإسلامية وأصبحت فرع مخصص لوحده.

قصر الحمراء

لماذا تم تحصين قصر الحمراء؟


تضم الأندلس مجموعة من أجمل القصور والقلاع والمساجد والمنارات في القارة بأكملها. ستجد وسط الجبال الأندلسية في جنوب أسبانيا حصن مهيب شامخ، يشبه حصون القصص الخيالية. الحصن صاحب القلعة التي تهيمن على أفق غرناطة، وتضيف لها طابع مهيب وتراثي فخم بأبراجه السبعة والثلاثين المحيطة بأسوار الحصن.

في عام 1238 م، كان بيتعرض العالم الإسلامي لهجوم الحملات الصليبية من أكثر من قرن، وبدأت الإمبراطورية الإسلامية التي دامت حوالي 500 سنة في أسبانيا تتقلص تحت ضغط الصليبيين المتزايد من الشمال. وكان هدف هجوم الصليبيين من الشمال هو دفع المسلمين وحصرهم في الجنوب. ووقتها بدأ السلاطين المحليين، مثل السلطان محمد بن نصر الأول، في بناء ممالك لنفسهم لأجل السيطرة على بقايا الإمبراطورية الإسلامية.

وبدأ محمد الأول في الاستكشاف، وعندما وصل إلى غرناطة، تسلق المنحدرات المطلة عليها بحثًا عن موقع مناسب يشيد فيه حصنًا لحمايته وعائلته من الزحف الصليبي. وهنا سمع محمد عن حصن تم بناؤه بين المنحدرات قبل حوالي مئة سنة على يد أحد السلف. وتسلق الجبال من أجل أن يشاهد بنفسه ويتأكد من وجود الحصن، وبالفعل شاهد هناك القلعة العربية القديمة على قمة تل سبيكة، وتحيط بها الجبال، وتبين أنه موقع مثالي لبناء حصن قوي، لا يوجد أي جيش قادر على أن يصل له.

أين يقع قصر الحمراء؟


أسهل طريقة للوصول إلى قصر الحمراء حاليا هي الذهاب إليه عن طريق طائرة من البلد الذي أنت مقيم فيه إلى مطار مدريد في إسبانيا. ومن مطار مدريد، أمامك طريقين: الأول أن تحجز طائرة ثانية لمدينة غرناطة، والثاني، والله هو الأصعب، أن تعتمد على الحافلات المحلية لحد ما تصل غرناطة. ومن غرناطة، يتبقى لك أن تمشي حتى تصل إلى قصر الحمراء.

وهذا لأن المنطقة المحيطة بالحمراء مليئة بالمعالم التاريخية التي ستملأ رحلتك بالبهجة وستنقلك إلى الوراء في الزمن لمئات السنين، وستستمتع بالطريق حتى تصل إلى أبراج عسكرية مبنية على منحدرات مرتفعة. عندما تراها، ستشعر بالخوف والرهبة، عندها ستكون قد وصلت إلى قصر الحمراء، ستشعر بالرهبة الشديدة التي كان محمد الأول يريد أن يوقعها في نفوس المعتدين، لذلك قام ببناء هذه الأبراج التي يبلغ عددها 37 برجًا.

من قام ببناء قصر الحمراء؟


تتكون الأبراج من طوابق عبارة عن حجرات مربعة للدفاع والمراقبة، وتعتبر جزءًا أساسيًا من قصر الحمراء. وحجرات الأبراج المربعة هذه تتوفر على نوافد صغيرة تسمح للضوء بالعبور من خلالها لإنارة البرج بالكامل. وجدير بالذكر أن أول برج بناه محمد الأول من أبراج المراقبة في قصر الحمراء كان يعتبر أكبر بناء شهدته غرناطة بأكملها.

عندما تدخل قصر الحمراء، ستتفاجأ من حجم المكان ومن أنه عبارة عن مدينة كاملة صغيرة. وهنا دعني أقول لك أن الحمراء لم تكن مبنية كحصن للحماية فقط، بل إن الحصن كان مقسمًا لثلاثة أقسام. القسم الأول هو العسكري في شمال شرق الحصن، والقسم الثاني هو القصر الملكي في الوسط، الذي يعيش فيه السلطان وعائلته، والقسم الثالث، والذي هو باقي الحمراء، مخصص للخدم والحراس والاتباع.

وذلك لأن السلطان محمد كان يخطط لبناء مجموعة من القصور بين أسوار الحصن ليسكنها هو وعائلته والخدم والحرس والأتباع، وكان عددهم وقتها يتجاوز 5000 شخص. وعلى الرغم من بناء محمد الأول مجموعة قصور في حصن الحمراء، إلا أن القصور التي يتم الإشارة إليها ليست كلها من بنائه، فبعض السلاطين الذين حكموا بعد وفاته بنوا قصورًا جديدة لأنفسهم، ووضعوا لمستهم الخاصة في الحصن. وهذا ما أدى في النهاية إلى ظهور شبكة القصور المزخرفة في الحمراء.

وبما أن العمارة الإسلامية مشهورة بزخرفة جدرانها بآيات من القرآن بالخط العثماني، ستجد جدران قصور الحمراء مزينة بالعبارات العربية التي تمجد الله، وسترى عبارة "لا غالب إلا الله" متكررة عدة مرات على جدران القصور.

حدائق قصر الحمراء


واحدة من أجمل معالم قصر الحمراء هي الحدائق الكبيرة التي تحيط بالقصور من كل اتجاه، وعلى عكس ما يمكن أن تعتقد، فإن الحدائق لم تكن مصممة فقط للزينة، بل كان الغرض الرئيسي منها هو توفير الغذاء والماء اللازمين للسكان الذين يعيشون في القصر، وقد بدأ السلطان محمد الأول في بناء عدد كبير من الحدائق، وصممها بنظام الواحات لتلبية احتياجات السكان في الحصول على الغذاء والمياه في مدينة متكاملة مثل قصر الحمراء.

ومع ذلك، خلال بناء الحدائق، واجه السلطان محمد مشكلة كبيرة نتيجة عدم توفر الماء في المنطقة، حيث كان قصر الحمراء مبنيًا على تل مرتفع لا يوجد فيه أي مصدر للماء، وبالتالي لم يكن هناك أي طريقة يمكن للمهندسين استخدامها لجلب الماء من نهر دارو المجاور الذي كان يتدفق على الأرض في شمال الموقع.

وكانت هذه المهمة تشكل تحديًا كبيرًا على السلطان محمد الأول والمهندسين المكلفين بالمشروع. وبعد طول بحث، وجد العمال الحل الأمثل والأكثر ذكاءً في التاريخ، وهو أنهم صعدوا إلى وادي النهر وبحثوا عن نقطة يكون فيها مستوى المياه أعلى من مستوى تل سبيكة الذي يقع عليه الحصن. وعند النقطة التي تم العثور عليها، والتي كانت بعيدة جدًا عن القصر، قاموا بحفر قناة طويلة جدًا وربطوها بحصن الحمراء لجلب المياه إلى القصر.

قاموا ببناء سد فوق الحصن لجمع المياه التي يمكن أن تغذي الحصن بالكامل، وحفروا حفر تفرعية في جميع أنحاء وحول القصر، وربطوها بالحفرة الرئيسية لتوفير المياه لكل جزء من القصر. وهذا العمل الجاد والمتقن للمهندسين والعمال هو ما أدى في النهاية إلى ظهور الحمراء بالشكل الخلاب الذي نراه الآن.

نافورة الاسود في قصر الحمراء


بعد وفاة السلطان محمد الأول، وتولي السلطان محمد الخامس حكم الإمبراطورية، أراد محمد الخامس إضافة لمساته الخاصة على القصر وزيادة في الإنجاز العلمي الذي بدأه محمد الأول في توصيل المياه. وبالفعل، في وسط إحدى ساحات الحصن، وهي ساحة الأسود، توجد نافورة تسمى نافورة الأسود. وتتألف النافورة من حوض مستدير مصنوع من المرمر، محاط بـ12 تمثالًا للأسود، مصنوعة من الرخام، ويخرج الماء من أفواهها بطريقة فريدة عجز الإسبان عن فهمها. لأن هذه النافورة لم تكن عادية بل كان لها نظامًا غريبًا ومدهشًا.

كان كل أسد من الأسود يطلق ماء من فمه لمدة ساعة، ويأتي الأسد الذي يليه ليطلق الماء في الساعة التالية، ويتم هذا الترتيب لمدة 12 ساعة حتى يتم إكمال دورة كاملة، ويعود النظام للبدء من جديد. وكان هذا النظام يحير الإسبان للغاية، وحاولوا معرفة السر من خلال تفكيك النافورة، ولكنهم لم يفهموا سر الأسود ولا استطاعوا إعادة تشغيل النظام القديم بعد إعادة تركيب النافورة. وبعد إعادة تركيبها، أصبحت جميع الأسود تعمل معا في نفس الوقت.

بعد زيارتنا لقصر الحمراء وتعرفنا على تاريخه وأبرز معالمه، يأتي السؤال المهم الذي يدور في ذهن الكثير من الناس: لماذا يطلق على هذا الحصن اسم "الحمراء"؟

هناك العديد من التفسيرات التي قدمها المؤرخون لتفسير هذا الاسم، ومن بين هذه التفسيرات:

تم بناء القصر من تربة تسمى بالتربة الحمراء، وهي التربة الموجودة حول القصر والتي تتكون من مزيج من الرمال والحجارة والطين. وبما أن المواد الأساسية لبناء القصر كانت متاحة بالفعل في موقع البناء، فقد سهلت عملية البناء و قلصت مدة الإنجاز. ويوجد في خليط التربة الحمراء مواد تجعلها عجينة متماسكة وصلبة، وأشد صلابة من الأسمنت الحالي، مما يجعلها مناسبة جداً للبناء.

ويعتبر هذا الخليط هو السبب الرئيسي وراء بقاء قصر الحمراء حتى اليوم كشاهد على براعة وجمال الفن الإسلامي المعماري.

إرسال تعليق

أحدث أقدم