من هم مقاتلي الساموراي ومن أين أتوا

الساموراي، هؤلاء المحاربون الذين اشتهرت بهم اليابان، توغلوا داخل طبقات المجتمع الياباني، حتى وصلوا الى الحكم، قبل أن يتم إقصائهم عنه وإعادة السلطة إلى الإمبراطور.

الساموراي

مقاتلي الساموراي


كيف كانت بداية الساموراي


الساموراي، مشتق لفظا من كلمة سابوراو في اللغة اليابانية، والتي تعني الخدمة أو الشخص الذي يضع نفسه في الخدمة.

وقد بدأ ظهور دور الساموراي في اليابان مع مطلع القرون الوسطى، فقد كانوا حراسا ورجال أمن، حيث تم تشكيلهم بعد انتهاء نظام التجنيد الحكومي في اليابان عام 792 للميلاد بغية حماية النبلاء الذين يعملون في البلاط الإمبراطوري الياباني.

فقد كانوا وقتها بمثابة قوات خاصة ولم يكونوا جزءا من الجيش، لكنهم مع الوقت أخذوا دور المحاربين اليابانيين القدماء الذين يطلق عليهم اسم بوشي، بعد أن أثبتوا كفاءتهم.

من هم البوشي؟ وما علاقتهم بالساموراي؟


البوشي، هؤلاء ظهروا أول مرة في فترة هييآن، التي امتدت في الفترة ما بين عام 794 للميلاد وعام 1185 للميلاد، وكان يطلق على المحاربين النظاميين الذين جندتهم الأسرة الإمبراطورية أو العشائر الكبرى لإدارة المناطق والمقاطعات.

خلال فترة الفوضى، كانوا الحكام الفعليين للبلاد، وكانت من بين أبرز سمات مظهرهم حينها ارتداؤهم الدروع وحملهم معدات ثقيلة جداً، واستخدامهم لسلاحهم المعروف بـ "دائي-شو"، والذي لم يتبقى غيره من حقبتهم.

وكانت حياة البوشي عبارة عن حروب متواصلة، إذ كانت حياتهم متوقفة على المعارك التي كانوا يخوضونها، والتي كان الهدف منها دوماً التوسع على حساب المناطق المجاورة، وذلك من أجل تعزيز مكانة القبائل التي ينتمون إليها، وتوسيع مكانة الأراضي الخاضعة لها.

في المراحل اللاحقة، ترك محاربو البوشي دورهم لرجال الأمن الساموراي، ويلاحظ أنه عندما ظهر مصطلح الساموراي، جرى استعماله في كثير من الأحيان مرادفا لكلمة بوشي، رغم أن المصطلحين يرجعان إلى حقبتين مختلفتين من تاريخ اليابان، إلى جانب أنهما يشيران إلى وظيفتين مختلفتين.

بالعودة إلى الساموراي، نجد أن ذلك المصطلح أطلق في بداية الأمر على الحرس الإمبراطوري الذين كانوا يقيمون في العاصمة كيوتو، وهم الحرس المسؤول عن أمن العائلة الإمبراطورية وكبار العائلات من النبلاء.

وقد بدأت فكرة الساموراي الأوائل من كونهم نوابا عن السلطات المحلية والإقليمية التي أنشأت منهم قوات خاصة للرقابة عرفت باسم فرق المحاربين، وقد تميزت هذه الفرق بكونها أكثر التزاما من ناحية التنظيم الأسري.

في البداية، كان تشكيلها يهدف إلى إطلاق حملة عسكرية معينة أو مواجهة خطر محدد، ثم بعد ذلك، تُحَل تلك الفرق مما يسمح للمحاربين بالعودة إلى حياتهم الطبيعية.

بعد ذلك، تم تحويل فرق المحاربين تلك إلى مجموعات من المقاتلين، استخدمتها العشائر والنخب العسكرية لتحقيق سيطرتها على الأقاليم، استناداً إلى قدرات المحاربين الذين كانوا ملتزمين بطاعة الأمراء، من خلال عهود الولاء أو التزامات تعاقدية أخرى، مثل منحهم أراض أو دخلا محدداً مقابل خدماتهم العسكرية.

ثم، أخذت مجموعة الساموراي تشهد تحولات كبيرة مع الوقت، حتى صارت طبقة اجتماعية متميزة في اليابان، طبقة تجمع بين الروح القتالية والمروءة والشجاعة، إلى جانب اتساع دورهم بوصفهم طبقة مثقفة، تلقت التعليم الهولندي.

وأصبحوا في عهد الإمبراطور إيدو مستشارين أخلاقيين مهيمنين، يمتلكون درجة كبيرة من الاحترام داخل المجتمع الياباني، إلى جانب كونهم معلمين لبقية الطبقات الاجتماعية الأخرى.

المبادئ التي تمتع بها الساموراي


لقد تميز الساموراي بمبادئ وتقاليد نبيلة، أشبه بنظام أو شريعة للحياة، والتي يعدها البعض روح اليابان حتى اليوم.

فقد اشتهروا بالشجاعة والتضحية بالنفس والتفوق العسكري الذي أظهروه في الصراعات الملحمية والمؤامرات السياسية والعسكرية التي جرت بين الأمراء في تلك المراحل التاريخية.

ولا عجب، فقد كان محارب الساموراي يتدرب على المهارات العسكرية وفنون الدفاع عن النفس وفنون القتال، مثل المبارزة بالسيوف والرماية والفروسية وركوب الخيل، وهو في العاشرة فقط من عمره، ويمكن أن يكون قبل ذلك أيضًا.

وقد اكتسب الساموراي خبرة كبيرة في أمور القتال، التي ساعدتهم في تطوير مهاراتهم الحربية، بفضل الحملات والحروب التي خاضوها، والتي زادت قوتهم ومهاراتهم، مما جعلهم يكتسبون مكانة غير مسبوقة في الشجاعة والإقدام.

البوشيدو في عقيدة الساموراي


تميز الساموراي بالإيمان العميق والإخلاص والولاء التام لقائدهم، فيما عرف بـ البوشيدو، وتعني الواجب الذي يفرض عليهم التدريب العسكري والانضباط بشكل مطلق.

وهذا التقليد يمثل الفلسفة الحربية التي اعتنقها محاربو الساموراي، وتوضح طريق المحارب وواجبه خلال حياته كلها تجاه نفسه وقائده.

ويُلزم هذا التقليد محارب الساموراي أن يُطيع أوامر قائده بإخلاص مهما كانت، حتى لو طلب منه إنهاء حياته.

السيبوكو في عقيدة الساموراي


ذلك الولاء الذي كان يدفعهم الى الانتحار إذا ما قصروا في واجبهم أو مات سيدهم، فيما عرف بممارسة السيبوكو، ويُقصد بها الموت الشريف.

إنه تقليد لابد وأنكم سمعتم عنه من قبل، حيث يقوم الساموراي عند احساسه بالعار أو الفشل في أداء واجبه بشق بطنه بخنجر أو سيف قصير من اليسار إلى اليمين، جاثياً على ركبتين لقطع المعدة، ثم رفع النصل إلى أعلى لضمان جرح قاتل، اعتقاداً منهم بأن الروح البشرية موجودة في المعدة.

الساموراي يستولون على الحكم


لم يقتصر دور الساموراي على كونهم طبقة اجتماعية وثقافية داخل المجتمع الياباني وحسب، بل تعدى ذلك إلى ممارسة الأدوار السياسية والعسكرية في اليابان، مدة تقترب من 700 عام.

فقد نجح الساموراي في السيطرة على البلاط الإمبراطوري الضعيف في القرن الثاني عشر، وتحديداً منذ عام 1160 للميلاد.

وقد خضعت اليابان لحكم طبقة الساموراي خلال فترة هييآن التي فرضت ديكتاتوريتها العسكرية الإقطاعية، حيث كانت البلاد مقسمة إلى عدة مناطق، وكان حكم اليابان في ذلك الوقت اقطاعياً، يمتلك كل حاكم اقطاعي جيشاً وأتباعاً من الساموراي النبلاء.

وخلال تلك الفترة، قادت طبقة الساموراي من المحاربين اليابانيين على سيطرة الإمبراطور، وأخذ ينمو نفوذ الساموراي وقوته، حتى استمر هذا النظام الاقطاعي المحلي مدة 700 عام.

عصر الميجي ونهاية الساموراي


عندما جاء عام 1867م، تولى الإمبراطور موتسوهيتو، الذي عرف بـ ميجي أو الحاكم المستنير، تولى حكم اليابان.

وقاد موتسوهيتو في عام 1868م حركة إصلاحية ثورية، قامت على مبدأ إقامة بلد غني وجيش قوي.

وكسرت ثورة ميجي الإصلاحية عزلة البلاد، وبدأت حركة انفتاح تجارية وعلمية على العالم.

ففتحت الموانئ البحرية كاملة، وألغيت الإقطاعيات العسكرية، وبدأ الإمبراطور ميجي في تقليص نفوذ الساموراي وتجريدهم من امتيازاتهم، حتى استطاع أن ينهي تحكم الطبقة العسكرية في اليابان في ظرف 8 سنوات تقريباً.

وأسس حكومة جديدة أعادت السلطة إلى الإمبراطور، وبالطبع فلم يرق ذلك لفئة من الساموراي.

فانقسموا إلى مجموعتين، مجموعة رفضت الوضع الجديد وفضلت مقاومته بالسلاح، وأعلنت الثورة ضد الإمبراطور ميجي.

وحاولت الطبقة الإقطاعية العسكرية والاجتماعية الانقلاب على الإمبراطور ميجي مرتين، في عام 1874م وعام 1877م، لكن الإمبراطور نجح في فرض سيطرته وفي إخضاع تلك الطبقة المتمردة.

أما المجموعة الثانية من الساموراي، فقد تقبلت الأمر، وأصبحوا من أهم رجال ثورة ميجي، وقادوا اليابان الحديثة التي بقي مجدها حتى الحرب العالمية الثانية، حتى جاء استسلامها الذي أعقب إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكي.

ورغم ذلك، فقد أصرت اليابان على النهوض من كبوتها تلك، وانبهر العالم بقيامها من ركام الحرب العالمية الثانية وأشلاء ضحايا القنابل الذرية التي ألقيت عليها، لتدور بسرعة مذهلة في معارج التقدم الاقتصادي والتكنولوجي في عالمنا الراهن، وتصير ثالث أقوى اقتصاد في العالم.

كيف لعب الساموراي دورا هاما في نهضة اليابان بعد الحرب العالمية الثانية


يعتقد بعض المؤرخين أن روح الساموراي، التي كانت سراً مهماً من أسرار تطور اليابان ونهضتها الأولى في عهد ميجي، كانت السبب أيضاً في نهضتها الثانية عقب الحرب العالمية الثانية.

فقد خرج من بينهم مؤسسوا الشركات الصناعية الكبرى والمصارف التجارية في اليابان، والذين كان لهم دور كبير في تحويل اليابان إلى قوة صناعية عظمى في العالم.

كما انتشرت مبادئ البوشيدو في المجتمع الياباني، واستثمرت الشركات اليابانية معاني الولاء والجهد والمثابرة لصالحها.

كذلك، فقد قامت المؤسسات التعليمية بنشرها بين أفراد الجيل الجديد، ذلك الجيل الذي لازالت روح الساموراي وتعاليمهم الأخلاقية ومبادئهم تحيا في وجدانهم.

ومن الواضح أن ثقافتهم ستظل تؤثر في نفوس اليابانيين هكذا إلى الأبد.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال