الدولة الحفصية حكمت تونس ثلاثة قرون وإنتهت على يد العثمانيين

الدولة الحفصية، إنها إحدى الدول التي قامت في تونس في فترة هامة من التاريخ الإسلامي، دولة استقلت عن الموحدين لتنشئ دولتها التي استمرت أكثر من ثلاثة قرون، امتدت إلى ليبيا شرقا والجزائر غربا.

شهدت خلالها البلاد فترات مهمة تراوحت بين الاضطراب والاستقرار والكثير من الأحداث التاريخية الهامة، حتى كان سقوطها على يد العثمانيين.

الدولة الحفصية

تاريخ الدولة الحفصية


من هم الحفصيون؟


شهدت تونس العديد من الدول والحضارات التي تعاقبت على حكمها وأحدثت تغييراً واضحاً في تاريخها. من بين هذه الدول الدولة الحفصية التي استمر حكمها لأكثر من ثلاثة قرون.

يذكر المؤرخ علي الصلابي أن أراء المؤرخين اختلفت حول نسب الحفصيين، فالحفصيون زعموا أنهم ينتسبون إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في محاولة منهم للاستناد إلى الأسس الشرعية اللازمة في باب الخلافة.

ومن المؤرخين من يرجعهم إلى قبيلة هنتاتة التي تعتبر أعظم قبائل مصمودة البربرية التي عاشت بالمغرب الأقصى.

أما عن تسميتهم بالحفصيين، فذلك أنهم استمدوا تسميتهم من أبو حفص عمر بن يحيى، أحد زعماء المصامدة الذي كان من أهم رجال ابن تومرت، مؤسس دولة الموحدين.

وقد بلغ من احترام عبد المؤمن وتقديره لأبي حفص أن كان يأخذ برأيه في كل مشاكل الحكم، وأكرم أولاده من بعده، وأسند لهم المناصب والإمارة في الأندلس وتونس.

كيف أسس الحفصيون دولة لهم في قلب دولة الموحدين؟


ورث الحفصيون سلطنة تونس، وأعطاهم الموحدون مطلق تصرف في إرادتها، كي يستطيعوا القيام بأعبائها ويقضوا على الفتن والثورات المستمرة هناك.

وظل الحفصيون تابعين لدولة الموحدين حتى تولى أبو زكريا بن عبد الواحد الحفصي الحكم عام 626 للهجرة، 1229 للميلاد، ليقرر الاستقلال عن دولة الموحدين.

الواقع أن دولة الموحدين كانت في طريقها إلى الإنهيار، بعد هزيمة الموحدين القاسية في معركة العقاب بالأندلس عام 1212 للميلاد، الأمر الذي شجع بعض القوى على الاستقلال، كبني زيان الذين استقلوا بالمغرب الأوسط، وبني مرين الذين دخلوا في حروب طاحنة لإسقاط دولة الموحدين في مراكش.

وإلى جانب تلك الظروف التي ألمت بالموحدين، كان هناك سبب آخر اتخذه أبو زكريا حجة للاستقلال عن الموحدين، إذ رفض السلطان الموحدي إدريس المأمون تعاليم ابن تومرت وأزال اسمه من السكة والخطبة.

وأضف إلى ذلك أن المأمون قام بقتل أشياخ الموحدين الذين عارضوا سياسته، ومعظمهم من هنتاتة قبيلة الحفصيين.

فاستغل أبو زكريا ذلك الموقف، ورفض مبايعة الخليفة إدريس المأمون، واتخذ هذه الأسباب ذريعة للخروج عن طاعة السلطان الموحدي والاستقلال بولايته، واعتبر نفسه أحق بميراث فكر وعقائد وأهداف حركة ابن تومرت.

ولذلك حرص الحفصيون منذ إعلانهم للانفصال عن دولة الموحدين على التمسك بتعاليم ابن تومرت، وذكروا اسمه في الخطبة والسكة، كما طبقوا رسوم الموحدين واسمهم وتقاليدهم على دولتهم الناشئة.

هكذا أنشأ أبو زكريا بن عبد الواحد الدولة الحفصية في تونس، ورغم خلع أبي زكريا الحفصي طاعة سلطان الموحدين، فإنه لم يدعوا لنفسه بالأمر إلا بعد 7 سنوات، أي عام 634 للهجرة، 1236 للميلاد، بعد أن اكتسب محبة أهل تونس وولائهم وطاعتهم التامة، وذلك مخافة ردة فعل الموحدين.

وعلى أثر ذلك ضرب النقود باسمه، وأمر بأن يُخطَب له باسمه على كل منابر بلاده، وقد استولى أبو زكريا الحفصي على قسطنطينة، ودخل تلمسان، وأتته بيعة أهل طنجة وسبتة وسجلماسة، كما بايعه بنو مرين عندما كانوا يقاتلون الموحدين في المغرب الأقصى.

وكان هدف المرينيين من ذلك وقف خطر بني زيان القادم من الجزائر نحوهم، وإضعاف التحالف بين بني زيان ودولة الموحدين بإدخال طرف قوي في النزاع.

وبالفعل فقد قام بنو حفص بمساعدة بني مرين وتدمير تحالف بني زيان مع الموحدين.

أضف إلى ذلك، أن عدداً من ولاة الأندلس دعوا لـ أبي زكريا الحفصي، كما بايعه أهل شرق الأندلس وإشبيلية والمرية.

وقد فتح أبو زكريا أبواب تونس للهجرة الأندلسية ليترك الأندلسيون أثراً واضحاً في الدولة الحفصية.

يذكر أن أبا زكريا حاول نجدة بلنسية من السقوط في أيدي الإسبان، بعد أن استنجد به أهل بلنسية، إلا أنه فشل في مسعاه بسبب الحصار المحكم من قبل الصليبيين، مما جعل أهل المدينة يضطرون إلى التسليم.

بهذا الشكل، استطاع أبو زكريا أن يمكن لبني حفص الحكم في تونس، وامتد نفوذه من أحواز طرابلس شرقاً إلى مدينة الجزائر غرباً.

الدولة الحفصية بعد سقوط الدولة العباسية


بعد وفاة أبي زكريا الحفصي، تولى حكم الدولة الحفصية ابنه أبو عبدالله محمد المستنصر بالله، الذي أعلن نفسه أمير المؤمنين بعد سقوط بغداد بيد المغول عام 656 للهجرة.

فبايعه شريف مكة بالخلافة، كما صار عم ملك غرناطة ابن الأحمر بمبايعة الحفصيين، وكذلك المرينيين في المغرب الأقصى. كذلك، اعترف بنو زيان في تلمسان في المغرب الأوسط بهذه الخلافة.

وبذلك، ظهرت خلافة قوية في الشمال الإفريقي، عاصمتها تونس، وبسطت نفوذها في بلاد الأندلس والمغرب والحجاز، الأمر الذي أشعر حكام مصر بخطورة أهداف الخلافة الحفصية.

وكانت السياسة المصرية في عهد المماليك تهدف إلى مد سلطانها على الحجاز، فرأى السلطان المملوكي الظاهر بيبرس أن سياسة الدولة الحفصية تتعارض مع أهداف دولته، لهذا قام بإحياء الخلافة العباسية في القاهرة عام 659 للهجرة، 1261 للميلاد.

فأتى بأمير من أمراء العباسيين، وبايعه بالخلافة، ولقبه بالمستنصر بالله.

وبهذا وجه بيبرس ضربة موجعة للدولة الحفصية، ووضع مندوباً تابعاً له بجانب شريف مكة، وشرع بيبرس بعدة إصلاحات بالحرم النبوي الشريف، وأرسل كسوة الكعبة، وأرسل الصدقات والشموع والزيت والطيب.

كما أزال أنصار الحفصيين، وأمر بالدعاء للخليفة العباسي على منابر الحجاز بدلاً من الخليفة الحفصي.

شهدت تونس في عهد المستنصر بالله الحفصي حدثاً هاماً، وهو الحملة الصليبية الثامنة التي استهدفتها عام 668 للهجرة، 1270 للميلاد، إلا أنها أخفقت بسبب الأوبئة التي انتشرت في صفوف الصليبيين، وأنهت حياة الملك لويس التاسع قائد الحملة.

وما هي إلا 7 سنوات حتى توفي المستنصر بالله الحفصي، لتتغير الأوضاع في الدولة الحفصية.

فبعد انقضاء القرن السابع الهجري، ضعفت الدولة وتوقف الدعاء لها في المغرب والأندلس. ثم لم تلبث أن انخرطت في الحروب الأهلية، واستقلت بجاية عن تونس.

وانتهز المرينيون هذه الفرصة، وأخذوا يتدخلون في شؤون الدولة الحفصية. ثم استولوا على تونس عدة مرات، وأصبح الشمال الإفريقي دوامة من الصراعات.

ما لبث أن استطاع الحفصيون العودة إلى حكم تونس لدى انسحاب المرينيين، وبدأت مرحلة من الاستقرار النسبي في عهد أبي العباس أحمد الحفصي، الذي تولى حكم البلاد عام 772 للهجرة، 1370 للميلاد.

واستطاع أن يقف أمام هجوم من الصليبيين على المهدية عام 792 للهجرة، 1390 للميلاد، فهزمهم واستعادت الدولة الحفصية شيئاً من هيبتها.

كما تمكن ابنه أبو فارس من الاستيلاء على تلمسان وضم بعض الإمارات التي استقلت في حياة أبيه عام 803 للهجرة، 1400 للميلاد، وعلى بسكرة عام 805 للهجرة، 1402 للميلاد.

كما استطاع الاستيلاء على مدينة الجزائر عام 813 للهجرة، 1410 للميلاد.

سقوط الدولة الحفصية


ها نحن ذا نصل إلى نهاية الدولة الحفصية، فقد سادت الصراعات على الحكم بين أبناء البيت الحفصي إلى جانب الفتن والثورات التي اشتعلت في الكثير من مدنها، وتمزقت وحدة الحفصيين بعد وفاة السلطان الحفصي أبي عمر.

وهاجم الإسبان سواحل تونس وقاموا بمذبحة رهيبة في تونس عام 941 للهجرة، 1534 للميلاد، فكانت نهاية الحفصيين.

هنا جاءت الدولة العثمانية لتحرير مدن العالم الإسلامي من الاحتلال الصليبي، واستطاع العثمانيون أن يتغلبوا على الإسبان لتدخل تونس في حكم الدولة العثمانية عام 976 للهجرة، 1568 للميلاد.

1 تعليقات

أحدث أقدم

نموذج الاتصال