مدينة سلا معقل قراصنة المغرب، الكابوس الذي أرعب أوروبا

عام 1627 للميلاد، تفاجأ الايسلنديون بغارات من قراصنة قادمين من المغرب، وتحديدًا ما عرف بجمهورية سلا أو جمهورية أبي رقراق. لم يكتفي هؤلاء القراصنة بتلك الغارة أو نهبهم العاصمة ريكيافيك. بل وصلت غاراتهم إلى إنجلترا، ووقفت الأساطيل الأوروبية عاجزة عن التصدي لهم. رغم أن تلك الجمهورية لم تعمر كثيرا، إلا أنها تركت أثرًا واضحًا في التاريخ. فما هي حكاية تلك الجمهورية؟

جمهورية بورقراق

من هم قراصنة المغرب؟


مدينة سلا في عهد الرومان


قبل أن نتحدث عن القراصنة المغاربة، يجدر بنا أن نتوقف قليلاً أمام تاريخ تلك المدينة التي استوطنها هؤلاء القراصنة وأنشأوا بها جمهورية خاصة بهم.

فمدينة سلا هي مدينة مغربية عريقة، يرجع تاريخ إنشائها إلى حوالي القرن الأول قبل الميلاد على يد الرومان، الذين اعتمدوا عليها في استجلاب احتياجاتهم من الحبوب والمتاع.

فتح القائد عقبة بن نافع مدينة سلا لتصبح دولة إسلامية


وبحسب ما ورد في موقع ساسة بوست، ففي عام 682 للميلاد، تم فتح مدينة سلا على يد القائد عقبة بن نافع.

وهكذا صارت مدينة سلا ولاية إسلامية، توافدت عليها القبائل الأمازيغية التي أسست إمارة بورغواطة على الساحل الأطلسي للمغرب.

وكان بعضهم يرتد عن الإسلام، في حين يخلط البعض الآخر الإسلام بالوثنية والتنجيم. كما خرج منهم من يدعي النبوة.

لذا ضيق عليهم الأدارسة الخناق عندما حكموا المغرب. فهاجر سلا كثير من سكانها، وهكذا ظلت المدينة تعاني الإهمال وعدم الاستقرار.

حتى جاءها عبد المؤمن الموحدي، مؤسس دولة الموحدين، فصارت سلا في عهده أهم الحصون التي فتحها عام 1145 للميلاد.

عاشت سلا أزهى عصورها في عهد الدولة المرينية التي خلفت دولة الموحدين. إذ صارت سلا في عهدهم من أهم مراكز الأعمال والتجارة، إلى جانب كونها مركزًا ضخمًا لصناعة السفن الحربية.

الأمر الذي لفت انتباه الإسبان إليها والذين لم يكتفوا بالاستيلاء على مدن الأندلس واحدة تلو الأخرى، بل اتجهت جهودهم نحو البلاد الإسلامية.

فكانت سلا إحدى المدن التي تعرضت لهجوم الإسبان، لكن السلطان أبا يوسف يعقوب المنصور تمكن من استرداد المدينة.

وصول الموريسكيون إلى شمال أفريقيا بعد نزوحهم من إسبانيا


مع سقوط مدن الأندلس في أيدي الإسبان واحدة تلو الأخرى، بدأ مسلمو الأندلس، المعروفين باسم المورسكيين، بالهجرة إلى الشمال الأفريقي، خاصة المغرب وتونس.

فكانت سلا إحدى المدن التي استوطنها المورسكيون، الذين امتلأت نفوسهم بالغضب والرغبة في الانتقام من الإسبان، والذين لم يكتفوا بضطهادهم وتهجيرهم قسرًا من بلادهم التي عاشوا فيها قرابة الثمانية قرون، إنما شرعوا في مهاجمة واحتلال البلاد الإسلامية.

وهكذا هيأت الأقدار لظهور جمهورية سلا، أو القراصنة كما يطلق عليهم الغرب، الذين باتوا شوكةً في حلق الأوروبيين على مدار عدة سنوات.

مع احتلال الإسبان لمعظم المدن الساحلية المغربية باستثناء سلا وتطوان، ظهرت الفتاوى التي تحث على جهاد المعتدين.

وبرز في تلك الفترة عددٌ من المجاهدين، وعلى رأسهم المجاهد محمد العياشي، الذي دعا الناس إلى استرداد الأرض ومواجهة الاحتلال الإسباني.

فالتف سكان سلا الأصليون حوله إلى جانب العناصر الوافدة إلى البلاد من مورسكيين وغيرهم، ونصبوه زعيمًا لهم. وهكذا بدأت حركة الجهاد ضد المحتل.

استقرار الموريسكيون في الرباط والقصبة وبدأ غاراتهم على السواحل الأوروبية


بحسب ما ورد في موقع مغرس، ففي الوقت الذي أعلن فيه العياشي الجهاد ضد المحتل، وفد عدد آخر من مسلمي الأندلس إلى سلا، وتحديدًا على الضفة اليمنى لنهر أبي رقراق.

لكن سكان المدينة المحافظة الأصليين، ما لبثوا أن طردوا بعض الوافدين بسبب لباسهم الغريب وغير المحتشم وأساليبهم المتحررة.

وهكذا استوطن الأندلسيون الورنتشيون، وهم المهاجرون من مدينة هورناتشوس الإسبانية، حي القصبة والرباط، وعملوا على تحديث عمران المدينة وتحصينها جيدًا.

كان ذلك من خلال تزويد أبراجها بالمدافع وإعلاء أسوارها، بجانب بناء المرافق العمومية من أحياء سكنية وأفران وحمامات.

ومن ثم توافدت عليها مختلف أفواج الأندلسيين من أقاليم المغرب الأخرى، ومع تقديمهم يد المساعدة الحربية للسلطان زيدان الناصر في حربه ضد أخيه المأمون الذي استعان بالإسبان. وانتصار زيدان في نهاية المطاف، توطدت مكانة الأورنتشيين. وما لبث أن اكتسب هذا الجزء من المغرب استقلاليةً عن الدولة المركزية.

استمرت حركة الجهاد ضد الإسبان والبرتغاليين، وانضم إلى الأورناتشيين العديد من القراصنة والمنشقين الأوروبيين ممن اعتنقوا الإسلام.

وقد شعر السلطان بالرضى إزاء العمليات الجهادية التي يقوم بها الأورناتشيون، خاصة أنهم كانوا يؤدون له ضريبة تمثل 10 بالمئة من الغنائم التي يحصلون عليها، ساعين إلى تحييد السلطان عن نشاطهم تمهيدًا لقيام دولتهم، حسب المصدر الأول.

هذا وقد بلغ هؤلاء المجاهدون من القوة حتى أن هجماتهم قد وصلت إلى موانئ بريطانيا وجزر أيسلندا. بل ووصل عدد أسراهم في الفترة ما بين عامي 1618 للميلاد

و1626 إلى حوالي ستة آلاف أسير. حتى أن الجرأة قد بلغت بهم إلى حد أنهم كانوا أحيانًا يرفعون الأعلام الإسبانية على بواخرهم.

كان ذلك حتى يضلوا السفن التي يعترضونها، يهاجمونها، ويستولون على ركابها وأمتعتهم وأسلحتها.

الأمر الذي أثار غضب وجنون الأساطيل الأوروبية بسبب ما يفعله هؤلاء المجاهدين. حتى إن بريطانيا عينت الأدميرال المعروف باسم روبرت بلاك، الذي قاد أسطوله نحو سلا في عام 1656.

كان ذلك من أجل استرداد أسرى بلاده ومحاصرة سلا بهدف وقف عمليات القرصنة على سفن بلاده، لكنه فشل في نهاية المطاف من تحقيق هدف دولته.

وإزاء فشلها في محاصرة حوض أبي رقراق، لجأت الدول الأوروبية إلى أسلوب آخر.

فعمل بعضهم كبريطانيا وهولندا وفرنسا على إنشاء علاقات دبلوماسية مع المجاهدين في سلا. كان ذلك بغرض النجاة من هجماتهم. بل إنهم عقدوا اتفاقات معهم موضوعها تحرير الأسرى وحرية التجارة.

ومن بين تلك الاتفاقات التي عقدها محمد فنيش، آخر حاكم لجمهورية أبو رقراق، مع هولندا من أجل ضمان سلامة بحارها وتجارتها بحسب ما ذكرت الكاتبة لمياء السخاوي.

إنشاء الموريسكيون النظام الجمهوري في سلا، واعتراف إنجلترا بدولتهم


في عام 1614 للميلاد، أسس الأورنتشيين نظامًا جمهوريًا يرأسه قائد المنتخب، يسمى بالأدميرال الأكبر.

ويتم التجديد له كل عام، يساعده مجلس استشاري مقره قلعة القصبة. ويرأس هذا المجلس أدميرال ينتخب بدوره كل عام.

كما أنهم، وخلال شهر مايو من كل عام، كانوا ينتخبون قائدين، أحدهما يحكم سلا القديمة والآخر يحكم القصبة.

وقد تولى أندلسي أورنانشي يُدعى إبراهيم بارغاس الزعامة حتى عام 1624، ليتولى من بعده هولندي اعتنق الدين الإسلامي، ويدعى الريس مراد، والذي تولى الزعامة في الفترة ما بين 1624 وعام 1627.

في عام 1627، تكونت جمهورية سلا في حوض نهر أبو رقراق. ذلك بعد أن استولى الأورناتشيين على المدينة بالقوة إثر ثورتهم على القائد المعين من قبل السلطان للإشراف على حكم المدينة. لينفردوا بالحكم.

والغريب أن إنجلترا كانت أول من اعترف بهذه الجمهورية، رغبةً من الإنجليز في حماية سفنهم وتجارتهم من القراصنة. الأمر الذي دفع الأورناتشيين إلى تحرير أكثر من 190 اسيراً بريطانياً.

محاولات بسط الموريسكيون نفوذهم على سلا القديمة في الضفة الشمالية


حاول الأورناتشيين مد نفوذهم والاستيلاء على سلا القديمة بالضفة الشمالية. إلا أن الأسطول الإنجليزي حال دون تحقيق ذلك.

في حين استغل والي السلطة الشريفية هذه الفرصة، فقام بمحاصرة قلعة القصبة محاولاً إعادتها إلى سلطانه مرةً أخرى. لكنه فشل في مسعاه، ونجح في تحصيل اتاواتٍ من الحكومة السنوية.

وما لبث أن اندلعت انتفاضةٌ أخرى قادها أهل المدينة ضد الأورناتشيين وطردوا سادة الجمهورية إلى الجزائر وتونس.

فاستغل العياشي تلك الفرصة وحاصر سلا بالتعاون مع الأسطول الإنجليزي عام 1637، لتستمر سيطرة السلطان على سلا حتى عام 1641.

حيث جاء الدلائيون بقيادة محمد الحاجة الدلائي. وقد سيطر هؤلاء الدلائيون على المشهد السياسي في سلا لمدة 27 عاماً.

سقوط جمهورية سلا تحت حكم الدولة العلوية


تميزت تلك الفترة بالاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي، إلى جانب ازدهار عمليات الجهاد البحري التي لم تقتصر على البحر فحسب، وإنما امتدت إلى البر، فاستهدفت سكان القرى الإسبانية القريبة من الساحل والصيادين.

لكن ما لبثت الأوضاع أن اضطربت مجدداً إثر انقلاب الأورناتشيين وباقي الفصائل الأندلسية على الدلائيين، ومن ثم تحالفهم مع الخضر غيلان.

لكنه لم يتمكن من إدارة الجمهورية كما يجب، واتسم عهده بالضعف، واستمرت الاضطرابات والثورة حتى سقطت جمهورية سلا في النهاية تحت حكم الدولة العلوية عام 1668، لتنتهي بذلك جمهورية سلا التي استمرت زهاء نصف قرن.

1 تعليقات

أحدث أقدم

نموذج الاتصال