نابليون بونابرت هو أشهر شخصية فرنسية في التاريخ. استطاع أن يمدد نفوذ وسيطرة فرنسا على المناطق المجاورة لها، وجعل برشلونة وروما وهامبورغ أراض فرنسية. ودارت حول شخصيته الكثير من الآراء، منها ما هو متعارف عليه، ومنها ما قد يفاجئك، فهو الإيطالي الذي حكم فرنسا، وأصبح أشهر وأعظم قادتها في حقبتها الاستعمارية.
من هو نابليون بونابرت؟
لم يكن نابليون بونابرت فرنسي الأصل، بل كان من نسل عائلة نبيلة إيطالية.ولد نابليون عام 1769 في جزيرة كورسيكا، التي كانت تابعة لمدينة جنوة الإيطالية، قبل أن يغزوها الفرنسيون قبل ميلاد نابليون بحوالي عام ونصف تقريبًا.
تصدت المقاومة من قبل الشعب الكورسيكي، بقيادة "باسكالي باولي"، للغزو الفرنسي. وفي تلك الأثناء، كان والد نابليون، "كارلو بونابرت"، داعمًا للمقاومة. لكن الجزيرة خضعت لفرنسا بعد فرار باولي منها، فأصبح انتماء والد نابليون فرنسيًا.
على الرغم من أن نابليون تعلم اللغة الفرنسية في مدرسة اللاهوت الفرنسية منذ صغره، إلا أنه ظل يعاني طوال حياته من لهجته الكورسيكية، ولم يستطع أبداً نطق الفرنسية بطلاقة كأهلها.
كان نابليون الطفل الثاني من أصل ثمانية أطفال لعائلة من طبقة النبلاء الكورسيكية، وبحالة اقتصادية متوسطة، حيث كان والده، كارلو بونابرت، محاميًا. أما والدته، فهي "ليتيزيا رامولينو بونابرت".
انضم نابليون عام 1785 بخدمة "لويس السادس عشر"، وبعد تخرجه تمكن من الحصول على رتبة ملازم في وحدة المدفعية في بالانس، وهو لم يتجاوز 16 عامًا. ثم رفع رتبته تدريجيًا حتى وصل إلى رتبة قائدٍ عسكري، لكنه لم يكتفي بذلك، فقد أكمل دراسته في مجال المدفعية والطبوغرافية بين عامي 1785 و 1792، حتى حصل على وظيفةٍ في مكتب طبوغرافيا لجنة السلامة العامة. عندما تلقى خبر وفاة والده في عام 1786، عاد إلى كورسيكا مسقط رأسه، ليعيل أسرته بعد وفاة والده بشكل مفاجئ، ولم يتجاوز عمره حينها 17 عامًا.
صعود نابليون بونابارت إلى السلطة
وصل نابليون للسلطة في فرنسا في عام 1799، وقد بدأ رحلة صعوده للسلطة منذ عام 1793، وذلك بعد تنحي لويس السادس عشر بفضل الثورة الفرنسية عام 1789. وأول محطة استغلها نابليون لإثبات قدراته العسكرية، عندما عين كواحد من القادة على حملة عسكرية وجهت لاستعادة مدينة "تولون" الفرنسية، فتمكن من استعادتها بعد وضعه لخطة عسكرية ناجحة.
وفي عام 1795، تسلم القيادة لحملة عسكرية، ثم استلم قيادة القوات الفرنسية في إيطاليا عام 1796، واستخدم مبدأ المسيرات السريعة للمناورة وتقسيم قوات العدو ورفع معنويات جيشه، مما مكّنه خلال عامٍ واحدٍ من السيطرة على معظم إيطاليا وجزءٍ من النمسا، وجعلها تدفع النقود والبضائع للدولة الفرنسية.
بفضل الجهود العسكرية المبدولة من طرف نابليون في قيادة الجيوش الفرنسية، تم تعيينه في عام 1798 لقيادة حملة عسكرية إلى مصر، حيث استطاع الإستلاء على الجزء الشمالي منها. ولكن تم قطع إمدادات الجيش بعد هزيمة الأسطول الفرنسي في معركة النيل على يد البريطانيين. واستغل نابليون الفرصة وشكل فريقا من العلماء لدراسة الآثار المصرية، وتمكن الفريق من الحصول على كم هائل من المعلومات الاثرية، بالإضافة إلى اكتشاف حجر رشيد الذي كان عاملا أساسيا في فك رموز الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة.
وفي عام 1799، عاد بونابرت إلى فرنسا بعد تدهور الأحوال فيها، وذلك بعد دخول فرنسا الحرب ضد روسيا والنمسا وبريطانيا والدولة العثمانية. فقاد إنقلابًا عسكريًا ضد الثورات التي اندلعت للإطاحة بالحكومة الجديدة، ونجح في الوصول إلى السلطة، وأصبح القنصل الأول لفرنسا. وبفضل مهارات نابليون القيادية، استطاع أن يقمع التمرد في فرنسا، وأن يستعيد احتلال الأراضي الإيطالية، وأن يوقف الحرب مع الدول، واجبارهم على عقد السلام مع فرنسا بعد هزيمة جيوش تلك الدول. وبحلول عام 1802، أصبحت الأوضاع في فرنسا مستقرة.
الحروب التي خاضها نابليون بونابرت
خاض نابليون خلال فترة حكمه لفرنسا عدة حروب. بدأت هذه الحروب منذ عام 1800 وانتهت في عام 1815 بعد هزيمة نابليون في معركة واترلو، التي تعد آخر الحروب التي خاضها. تسببت الحروب التي خاضها نابليون بفقدان الدول الأوروبية استقرارها. فقد شن نابليون حروباً ضد مختلف التحالفات من الدول الأوروبية كالنمسا وروسيا والسويد وبريطانيا العظمى. ومن أبرز هذه الحروب:
حرب التحالف الثالث
ضم هذا التحالف ثلاث دول وهي النمسا والبرتغال وروسيا، وخاضت هذه الدول سلسلة من الحروب ضد فرنسا. كما كانت بريطانيا طرفًا في الحروب، لكنها لم تكن جزءًا من التحالف. وقد بدأت هذه الحروب منذ عام 1803 وانتهت بانتصار فرنسا عام 1806، حيث أبرمت معاهدة برسبورغ التي نصت على التنازل عن النمسا لفرنسا. فانتهت الحرب بين الدول، لكن بريطانيا استمرت بالقتال.
حرب التحالف الرابع
تشكل هذا التحالف من أربع دولٍ، وهي بروسيا والسويد وبريطانيا وروسيا، حيث شنت هذه الدول الحرب على فرنسا منذ عام 1806 حتى عام 1807. لكن تمكن نابليون من الانتصار على القوات البروسية بعد 19 يومًا من إنشاء التحالف، وهذا خلال معركة "يينا-أويرشتيد". تمكن من هزيمة القوات الروسية في فريدلاند كذلك، الذي نتج عنه تفكك التحالف، ما عدا بريطانيا التي استمرت في حرب ضد نابوليون.
عواقب الحملات العسكرية لنابليون
تعرضت الميزانية الوطنية لفرنسا للانهيار بعد عدة هزائم، أصابت الجيش الفرنسي بعد الحملة العسكرية المرهقة التي شنها نابليون على روسيا في شتاء عام 1812، والتي بدأت بأكثر من 600 ألف جندي وانتهت بأقل من 10 آلاف جندي. كل ذلك أصاب فرنسا بالضعف، وأضعف سلطة نابليون. فحدثت محاولة إنقلابٍ على حكومة نابليون عندما كان يقود جيوشه في الحرب مع روسيا، إلا أنها باءت بالفشل. مما فتح المجال للقوات البريطانية لغزو فرنسا، استسلم نابليون في يوم 30 من شهر آذار عام 1814، وأُجبر في النهاية على النفي إلى جزيرة إلبا.
تمكن نابليون من الهروب من منفاه والعودة إلى باريس عام 1815 ، واستطاع الحصول على دعم كبير هناك ، وتمكن من استعادة عرشه. كما تمكن من إعادة تنظيم جيشه وحكومته، فقاد جيشه في معركةٍ هزم فيها القوات البروسية في بلجيكا، لكنه تعرض للهزيمة في معركة واترلو، مما اضطره إلى التخلي عن اللقب والسلطة. فطلب من الدول المنتصرة تعيين ابنه كامبراطور، لكن طلبه رُفضَ وتم نفيه إلى جزيرة "سانت هيلينا"، حيث كان معزولًا عن العالم الخارجي يمارس القراءة والكتابة، حتى أصيب بقرحة في المعدة أو مرض بالسرطان عام 1817، فمات في منفاه في يوم 5 من شهر أيار عام 1821، عن عمر ناهز 51 عامًا.
ما لا يعرفه الكثيرون عن نابوليون
في حقيقة الأمر، العديد ممن لا يعرفون أن وعد نابليون سبق وعد بلفور بسنوات عديدة، وهذا الوعد يتجلى في دعوة اليهود لتأسيس دولة لهم في فلسطين. فقد اهتم نابليون باليهود في فرنسا وأعطاهم جميع الحقوق المدنية التي كانوا يعانون من الحرمان منها، وكان يقول إن جميع المواطنين سواء في فرنسا لا يميز فصيلاً عن الآخر.
عندما حاصر نابليون مدينة عكا في عام 1799 وفشل في اقتحامها، أعلن دعوته ليهود آسيا وأوروبا للتوحد والهجرة إلى فلسطين لتأسيس كيانهم الصهيوني (إسرائيل) على أرضها، وهكذا يصبح وعد نابليون قد سبق وعد بلفور بحوالي 118 عامًا.
نابوليون و تنبؤات نوستراداموس
"نوستراداموس" عالم فلكٍ وطبيبٌ فرنسي، ولد في عام 1503، أي قبل ميلاد بونابرت بحوالي 166 سنة. وكتب نوستراداموس كتاب النبؤات الشهير، الذي تنبأ فيه بالكثير من الأحداث التي حدثت بعد وفاته بسنواتٍ عديدة، وكانت النبوءات تكتب على هيئة رباعيات أو قصائد شعرية من أربعة أبيات. كما وَرَدَ نابليون بونابرت في العديد من النبوءات، لن نذكرها جميعًا، ولكن سنشير إلى أهم اثنين منها:
"من جندي بسيط، سيصل إلى إمبراطور. من الرداء القصير، سينمو ليلبس رداءً طويلاً. باسل في الحروب، جريء على الكنيسة، يشاكس الرهبان، مثل الماء الذي يملأ الإسفنجة."
ونبوءة أخرى يقول فيها:
"الأمير المغلوب في إيطاليا سيعبر البحر إلى جنوة، ويتجه إلى مارسيل بعد جهد عظيم، سوف تغلبه القوات الأجنبية، وسيحصل على برميل بدلاً من العسل."
والنبوءة الأخيرة تشير إلى ما حدث بالضبط مع بونابرت، حيث كان نابليون منفياً في جزيرة إلبا الإيطالية، واستطاع أن يهرب منها وأن يتجه إلى جنوة ومنها إلى مارسيل في فرنسا ليحشد قواته مرةً أخرى ويحارب أعداءه من جديد، لكنه بعد حربٍ طويلة سينهزم، وسيحصل على برميل، هنا المقصود به برميل البارود بدلاً من العسل الذي كان يستخدم في مراسم تنصيب الملوك.
اختلفت الآراء حول شخصية نابليون، لكن جميعها اتفقت على الأثر الذي تركه في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والمجتمعية، ويجدر بنا الإشارة هنا إلى أن القانون المدني الذي ابتكره نابليون تم تطبيقه في معظم بلدان أوروبا، بالإضافة إلى البلدان التي استعمرتها فرنسا في زمن الاستعمار، ويتم تطبيق النظام القضائي الذي يستند إلى هذا القانون في ربع أنظمة القضاء في العالم. وقد كان نابوليون يفتخر بذلك ويقول إنه إذا كانت قد تمت هزيمته في الحروب العسكرية، فإنه انتصر بتسيد قانونه على جميع البلدان.
قسم :
شخصيات تاريخية