صلاح الدين الأيوبي هو قائد عسكري وسياسي عربي شهير في القرن الثاني عشر الميلادي.
تميز صلاح الدين بشجاعته وحكمته في القيادة، ونجح في توحيد الجيوش الإسلامية لاستعادة القدس من الصليبيين في العصور الوسطى.
يعد صلاح الدين شخصية تاريخية مهمة في تاريخ الإسلام والشرق الأوسط. كما أنه تم تصويره في العديد من الأفلام والبرامج التلفزيونية والأدب العربي والأجنبي.
يتميز صلاح الدين بشخصية قوية وإرادة صلبة، ولذلك يحتفل به في العالم الإسلامي كرمز للنضال والتحرر.
من هو صلاح الدين الايوبي
تنحدر أصول صلاح الدين الأيوبي من عائلة كردية كريمة، تنتمي إلى قبيلة الروادية الكردية، والتي تُعتبر واحدة من أكبر قبائل الأكراد، حيث حكمت تلك العائلات كلاً من الشام ومصر تحت دولة واحدة، والتي عُرفت باسم الدولة الأيوبية.
ولد سنة 532 هجرية في قلعة تكريت، حيث كان والده وليا بها، انتقل بعد ذلك إلى الموصل، وبقي فيها حتى ترعرع، ثم انتقل إلى الشام مرافقاً لوالده الذي تولى أمر بعلبك، وفي هذه المدينة كانت نشأته، حيث قضى صلاح الدين الأيوبي طفولته الأولى فيها، وقد ذهب إلى مكاتب التعليم حتى يحفظ القرآن الكريم ويتعلم الكتابة والقراءة، وقد تعلم قواعد اللغة العربية ومبادئ النحو، قبل أن يغادرها في شبابه إلى دمشق.
بدأت المسيرة المهنية لصلاح الدين الأيوبي عندما انضم إلى عمه، القائد العسكري أسد الدين شيركوه، الذي كان يخدم تحت إمرة نور الدين، وقد انضم صلاح الدين إلى ثلاث بعثات عسكرية كانت بقيادة عمه شيركوه، وكانت إحدى تلك البعثات إلى مصر لمنع سقوطها في يد الفرنجة، وفي عام 1169 ميلادية حدث صراعٌ ثلاثيٌ في مصر بين ملك القدس الأول وبين شاور وزير الخلافة الفاطمية وبين شيركوه، وبعد اغتيال شاور ووفاة شيركوه أصبح صلاح الدين الأيوبي في عمر لا يتعدى 31 عاماً، قائداً للقوات السورية في مصر.
صلاح الدين الأيوبي وتحرير القدس
غزى صلاح الدين الأيوبي الشواطئ الشمالية من قارة إفريقيا، وبعد ذلك حرص على فتح كلٍ من دمشق واليمن، ومن ثم سوريا كاملةً وفلسطين، وكانت تلك هي بداية محاربة صلاح الدين للصليبيين، الأمر الذي جعل حكام القدس اللاتينيين يبدأون بالدفاع عن أنفسهم. إلا أن جهوده لم تفلح في غزوهم في مخابئهم الجبلية.
بعد تأسيس صلاح الدين الأيوبي لمملكة عظيمة تمتد من شمال العراق إلى برقة ومصر والشام، بدأ التحضير لهجوم على الفرنجة وتحرير بيت المقدس والأراضي الخاضعة لهم من أيديهم، وذلك بسبب ما أحدثوا في بيت المقدس و المسجد الأقصى من فظائع وجرائم.
وقد أتيحت له الفرصة المناسبة لتحقيق ذلك عندما اعتدى أمير الكرك أرناط على قافلة تجارية تخص صلاح الدين الأيوبي، وذلك في عام 582 للهجرة، إذ كان بين أرناط وصلاح الدين الأيوبي هدنة تسمح بمرور القوافل الإسلامية بين الشام ومصر بشكل آمن.
وبعد ذلك الاعتداء، هيأ السلطان صلاح الدين الأيوبي جيوشه وأعد العدة، ويهيئ كتائب المجاهدين من أجل القضاء على الفرنجة واسترداد بيت المقدس مهبط النبوات. فاعلن صلاح الدين الجهادة في كل البلاد، وعسكر في مدينة بالقرب من مدينة بصرى فيما يعرف بقصر السلامة، وبقي في تلك المنطقة إلى أن مر الحجاج بسلام. وقد دعا الحجاج لصلاح الدين بالنصرة والغلبة، وبعد ذلك نظم صلاح الدين الجموع وحدد توقيت المعركة في السابع عشر من ربيع الأول من عام 583 للهجرة بعد صلاة الجمعة.
معركة حطين
بعد مغادرته دمشق، وصل صلاح الدين إلى رأس الماء، حيث استخدمه كمركز لتجمع الجيوش، وترك ابنه "الملك الأفضل" في رأس الماء، في حين ذهب إلى بصرى. وذهب مظفر الدين كوكبري إلى عكا، ومن ثم ذهب صلاح الدين إلى الكرك والشوبك، وعاد إلى طبريا.
وبعد أن علم الصليبيون باتساع خطة صلاح الدين ضدهم، حشدوا الجموع وتوجهوا إلى طبريا، وتقابل الفريقان في موقع يسمى (حطين). وما ان اشرقت الشمس الحارقة وانتشرت، حتى ساعدت المسلمين على هزيمة أولئك العطاش من الصليبيين. وذلك لأن المسلمين احتلوا مواقع المياه، وهجم صلاح الدين على الفرنجة بشكلٍ عنيف، مما عمل على تفريق فرسانهم.
وبعد تلك المواجهات الضارية، انتصر صلاح الدين الأيوبي بشكلٍ حاسم، وهزم الصليبيين هزيمة نكراء، وبلغ عدد القتلى عشرات الآلاف، ولم يفلت منهم أحدٌ، ما بين أسيرٍ وقتيل.
يقول الشاعر العماد الكاتب محمد الأصفهاني:
يَا يَوْم حِطِّين والْأبْطال عَابِسة وبالْعجاجة وَجْه الشَّمْس قد عَبسَا رأيْتَ فِيه عظيم اَلكُفر مُحْتقِرًا مُعَفرا خدُّه والْأَنْف قد تَعسَا يَا طُهِّر سَيْف برى رَأْس اَلبُرنس فقد أَصَاب أَعظَم مِن بِالشِّرْك قد نَجسَا وَغَاص إِذ طار ذاك الرَّأْس فِي دَمِه كَأنَّه ضُفدَع فِي اَلْماء قد غَطسَا.
ويقول أبو علي الحسن بن علي العويني من قصيدة يظهر فيها صلاح الدين مثل نبي على يده فتحة القدس وعادت إلى أهلها الشرعيين:
جُنْد السَّمَاء لِهَذا اَلمَلِك أَعوَان . مِن شكِّ فِيهم فَهذَا الفتْح عُنْوان . هَذِه اَلفُتوح فتُّوح الأنْبياء ومَا لَهَا سِوى الشُّكْر بِالْأفْعال أَثمَان.
مواقف صلاح الدين الايوبي الانسانية
على الرغم من صلابة المضفر وقوته، إلا أن له مواقف في التسامح يخلدها التاريخ و تتناقلها الأجيال عبر العصور. ومن بين تلك المواقف، يذكر التاريخ أن امرأة من الصليبيين فقدت طفلها في الاضطراب والفوضى الذي حل بالصليبيين بعد هزيمتهم في معركة حطين.
تعاظم صياحها حتى وصل خبرها إلى ملوكهم، وردوا عليها:
إن صلاح الدين رجل رحيم القلب، وقد أذن لك في الخروج إليه فاخرجي واطلبيه منه، فإنه يرده عليك.
فخرجت تطلب المساعدة من العسكر السلطاني وتم نقلها إلى حضرة السلطان، حيث اقتربت منه وانهمرت دموعها بغزارة، مُلقية وجهها في التراب.
فسأل عن قضيتها، فأخبروه بما حدث لها، فرق قلبه ودمعت عيناه، وأمر باحضار الرضيع فورًا. وعند بحثهم عنه في السوق، علموا أنه قد تم بيعه. فأمر صلاح الدين باعادة شرائه، ولم يلبث واقفاً حتى تم إحضار الطفل له. فسلمه إلى أمه ثم أمر بإعادتها هي و طفلها إلى قومها.
رحمة وإنسانية صلاح الدين الأيوبي خلال فترة الحروب
تظهر إنسانية صلاح الدين الأيوبي في تعامله مع الأسرى الصليبيين وتلبية مطالبهم المشروعة، حيث يضمن بعناية ألا تُهمل حقوقهم. خاصةً لما ذهب بعد انتصاره في حطين إلى بيت المقدس لاستردادها من كبار الصليبيين الذين تملكوا مدن الساحل الفلسطيني.
وقد أكرم كل من استسلم منهم، ومن بينهم كونتيسة طرابلس التي عوملت من قبل صلاح الدين كما يليق بها من الحفاوة والتشريف، وأذن لها ولحاشيتها بالتوجه إلى طرابلس.
توفي صلاح الدين الأيوبي في مدينة دمشق، دون أن يترك وراءه مالاً ولا عقاراً، وذلك في التاسع عشر من شهر شباط عام 1192 ميلادية الموافق للسابع والعشرين من شهر صفر عام 589 للهجرة، بعد وقتٍ قصيرٍ من توقيع معاهدة السلام في الرملة في عام 1192 ميلادية.
وعلى الرغم من موت هذا القائد، إلا أنه لا يزال حياً في أذهان الجميع، فأعماله الخالدة والحية دائمة الذكر بين الناس.
قسم :
شخصيات