معركة وادي اللبن عندما سحق المغاربة جيش سليمان القانوني

معركة وادي اللبن واحدة من أهم المعارك في تاريخ المغرب، معركة حاسمة دارت بين العثمانيين والسعديين. قيل إنها في سبيل سعي العثمانيين نحو ضم المغرب إلى إمبراطوريتهم الشاسعة لإتمام السيطرة على الشمال الأفريقي، أو بسبب خيانة السعديين للعثمانيين. فكانت تلك المعركة التي انهزم فيها جيش السلطان سليمان القانوني، وضمن المغرب استقلاله.

معركة وادي اللبن

معركة وادي اللبن


لماذا تغير نهج العثمانيين في فتوحاتهم؟


عندما تأسست الدولة العثمانية على يد عثمان الأول بن أرطغرل، وضع سلاطينها نصب أعينهم فتح القسطنطينية وتحقق لهم مرادهم في عهد السلطان محمد الثاني المعروف بالفاتح، وذلك عام 857 للهجرة 1453 للميلاد. ليتخذوها عاصمة لدولتهم ومركزًا لانطلاق حملاتهم إلى قلب أوروبا، لينشروا الإسلام فيها.

لكن مع تهديد الصفوي الشيعي للدولة العثمانية وتحالفهم مع الصليبيين، الذين كانوا يخططون لاحتلال المدينة المنورة ونبش قبر النبي ﷺ لمقايضة جثمانه الطاهر بالقدس، إلى جانب التهديد الإسباني والبرتغالي للعالم الإسلامي بعد سقوط الأندلس عام 897 للهجرة 1492 للميلاد.

تغير التوجه الذي انتهجه العثمانيون في فتوحاتهم، فاتجه السلطان سليم الأول إلى المشرق الإسلامي ليهزم الصفويين. ثم انطلقت جيوشه لتسقط دولة المماليك في الشام ومصر، وتضم الحجاز إلى الإمبراطورية العثمانية.

وما هي إلا سنوات معدودة حتى سيطرت الدولة العثمانية على أغلب البلاد العربية والإسلامية، وردت الخطر الإسباني والبرتغالي عن العالم الإسلامي. لكن المغرب الأقصى بقي عصياً على الدولة العثمانية.

الصراع بين السعديين والوطاسيين


قبل أن نحدثكم عن الصراع المغربي العثماني للسيطرة على المغرب، دعونا أولاً نلقي نظرة على الأحداث في المغرب قبل هذا الصراع. ففي أواخر عصر الدولة الوطاسية التي كانت تحكم المغرب، اجتاح الإسبان والبرتغاليون المدن المغربية. وهنا ظهر قائد جديد يدعى أبا عبد الله بن محمد السعدي، وهو مؤسس الدولة السعدية لاحقًا.

ذلك الرجل الذي بدأ مع ولديه، أحمد الأعرج ومحمد الشيخ، يحشدون الناس بحجة الجهاد ضد البرتغال والإسبان، وطردهم من الأراضي المغربية. لكنهم، في حقيقة الأمر، كانوا يسعون لإسقاط دولة الوطاسيين.

فسيطروا على مدينة تارودانت وحصنها، ومعها انطلق الجهاد ضد الصليبيين. واستطاع السعديون فتح عدة مدن مغربية كانت مستعمرة من قبل البرتغاليين أو الإسبانيين، وسيطروا عليها. وظهر السعديون بمظهر أبطال الجهاد، وذاع صيتهم في طول البلاد وعرضها.

كان من الطبيعي والحال هكذا أن يندلع الصراع بين الوطاسيين والسعديين. فاندلعت الحرب بينهما حتى تم الاتفاق على أن يكون للسعديين من تادلا إلى سوس، ولبني وطاس من تادلا إلى المغرب الأقصى. كان ذلك في عام 940 للهجرة.

لكن السعديين ما لبثوا أن نقضوا الاتفاق وكادوا أن يصلوا إلى فاس، مقر الوطاسيين. واندلع الصراع مجددًا بينهم وبين الوطاسيين. وفي عام 951 للهجرة، استولى السعديون على العاصمة فاس، لتسقط بذلك دولة بني وطاس، وتقوم مكانها الدولة السعدية.

فر السلطان الوطاسي المخلوع، ابن حسون، يلتمس العون من الإسبان، وأعلن ولائه لإمبراطورهم، بل واستعداده لتسليمهم باديس في مقابل مساعدته في استرداد عرش فاس. وبالفعل، ساعده الإسبان بالسفن والأموال، لكنه فشل في استعادة عرشه.

فلجأ إلى البرتغاليين، الذين ساندوه بالجنود والأموال وعدة الحرب. ولكن هذه المساعدات لم تحقق أغراضها، إذ حاصرتها قوات الدولة العثمانية واستولت عليها. مما جعل ابن حسون يلجأ إليهم طلبًا للعون في مقابل الاعتراف بسلطة الخليفة العثماني.

فمكنه العثمانيون من العودة إلى عاصمته فاس ثانية. ثم، ما لبث العثمانيون أن سيطروا على مقاليد الأمور بفاس. لكن الناس استاؤوا من ذلك، فاضطر ابن حسون إلى تعويض العثمانيين بمبالغ مالية كبيرة للرحيل عن العاصمة. ففعلوا، وواصل ابن حسون نشاطه ضد السعديين حتى سقط قتيلاً، لتستقر الأمور في النهاية للسعديين.

قبل ذلك الوقت، كانت الأمور قد آلت في الدولة السعدية إلى أحمد الأعرج بعد وفاة والده أبو عبد الله. وكان أخوه محمد الشيخ نائبًا له. لكن ما لبث أن تغلب محمد الشيخ على أخيه الأعرج وانتزع منه الملك وقتله. وقيل بأنه سجنه ليواصل الحرب ضد الوطاسيين حتى استطاع القضاء عليهم، كما سبق أن ذكرنا.

العلاقة بين الدولة السعدية والدولة العثمانية


الواقع أن الشيخ بدأ بتحدي الدولة العثمانية. فتذكر بعض المصادر أن الدولة العثمانية كانت تسعى إلى التحالف مع الدولة السعدية لمواجهة الإسبان.

لكن السعديين خشوا من تعاظم قوة العثمانيين في المنطقة، فخانوا العثمانيين وحتلوا تلمسان عام 957 للهجرة 1551 للميلاد. وطردوا العثمانيين منها. لكن ما لبث أن نجح العثمانيون في استعادة المدينة.

وفي خطوة دبلوماسية اتخاذها العثمانيون لوضع حد للخلاف مع المغرب بعد استعادة تلمسان، قرر السلطان العثماني عزل والي الجزائر حسن بن خير الدين باشا.

وأرسل سليمان القانوني إلى محمد الشيخ يهنئه بالملك ويدعو إلى الوحدة الإسلامية وإلى حسن الجوار. لكن السعديين عادوا يعتدون على ممتلكات العثمانيين متحالفين مع القوى المسيحية. فكان لابد من وضع حد لاعتداءاتهم.

بينما تذكر المصادر المغربية أنه لما علم السلطان سليمان القانوني بخبر سقوط حلفائه من بني وطاس وسيطرة السعديين على المغرب الأقصى، أرسل رسالة إلى محمد الشيخ يطلب منه الدعاء له على منابر المغرب وصك النقود باسم السلطان العثماني.

لكن الشيخ لم يرسل إجابة مكتوبة للسلطان العثماني، وإنما اكتفى برسالة شفاهية نقلها على لسانه رسول السلطان سليمان القانوني. مفادها أن الدولة السعدية ستصل إلى مصر حيث ستلتقي هناك بجيوش القانوني.

وبحسب المصادر المغربية، فقد أغضب ذلك الرد سليمان القانوني. فقرر محاربة المغرب. لكن أحد مستشاريه نصحه باتباع طرق أقل تكلفة ومغامرة، وذلك عبر إرسال بعض الرجال لاغتيال محمد الشيخ.

كان للسلطنة العثمانية في ذلك الوقت رجل يدعى صالح الكاهية، يعمل بداخل القصر السعدي. فتمكن العثمانيون من إقناعه للتوسط لبعض الجنود العثمانيين لدى محمد الشيخ على أساس أنهم هاربون من العثمانيين ويرغبون في خدمة الشيخ والاستشارة به. وبالفعل، تمكن هؤلاء الجنود من كسب ثقة سلطان السعديين وأصبح يتكل عليهم في العديد من الأمور.

استغل رجال السلطان الفرصة، وتم قطع رأس السلطان محمد الشيخ ونقله إلى إسطنبول عام 964 للهجرة 1557 للميلاد. بعدها، قرر سلطان سليمان القانوني شن حملة على المغرب.

إلا أن السلطان السعدي الجديد عبد الله غالب كان يتوقع الهجوم العثماني على المغرب بعد مقتل والده. فكان في الانتظار بالقرب من مدينة تيسة، قرب وادي اللبن شمال مدينة فاس، عاصمة الدولة السعدية.

ها هي ذي طبول الحرب تدق، استعداداً لمعركة فاصلة بين الدولة العثمانية والدولة السعدية. فكيف ستؤول الأمور يا ترى؟

أحداث معركة وادي اللبن


في عام 956 للهجرة 1558 للميلاد، التقى أحد الأساطيل البحرية العثمانية بقيادة حسن بن خير الدين باشا بنظيره السعدي بقيادة السلطان عبد الله غالب في معركة واد اللبن.

حيث دارت معركة طاحنة انتهت بهزيمة الجيش العثماني، هزيمة غير متوقعة، لتنتهي بتلك المعركة المحاولات العثمانية لضم المغرب.

لكن رغم الهزيمة التي تلقتها الدولة العثمانية في معركة واد اللبن، إلا أنهم لم يترددوا لحظة واحدة في الوقوف مع الدولة السعدية أمام الخطر البرتغالي الذي كاد يبتلع المغرب.

كان ذلك عندما تحالف السلطان السعدي المتوكل مع الأوروبيين لحمايته من العثمانيين. فلجأ عماه عبد الملك السعدي وأحمد المنصور إلى الجزائر يطلبون من العثمانيين مساعدتهم على إزاحة هذا السلطان الذي يتحالف علناً مع أعداء المسلمين.

وبالفعل، تدخلت الدولة العثمانية عسكرياً لتساعد عبد الملك السعدي في الحصول على عرش المغرب عام 1576 للميلاد.

فلجأ إلى السعدي المتوكل إلى الإمبراطورية البرتغالية، مما أدى إلى اندلاع حرب بين الدولة العثمانية والدولة السعدية من جهة، والبرتغاليين من جهة أخرى.

فيما عرف بمعركة وادي المخازن عام 1578 للميلاد، والتي انتصر فيها الجيش السعدي مع الجيش العثماني على الجيش البرتغالي. لتأمن بعدها الدولة العثمانية على حدودها الغربية وتتأكد تبعية المغرب المعنوية لها.

1 تعليقات

  1. استمتعت بطريقة كتابتك تجعل القراءة ممتعة 😍

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال