معركة سيكتوار ووفاة السلطان سليمان القانوني

معركة سيكتوار، التي سطرت آخر انتصار لواحد من أعظم سلاطين الدولة العثمانية، جاءت وفاة السلطان سليمان القانوني في أثناء حصار قلعة سيكتوار، قبل يوم واحد فقط من النصر. بعد 46 عامًا تربع فيها على عرش الدولة العثمانية، بلغت البلاد في عهده ذروة قوتها واتساعها.

معركة سيكتوار

المعركة التي تحولت من فيينا إلى المَجَر، وكيف توفي السلطان سليمان القانوني وأين ذهب قلبه وأحشائه.


سر الصراع بين الدولة العثمانية والنمسا بعد معركة موهاكس (معركة موهاج)


في عام 1520 ميلادية، تولى السلطان سليمان القانوني عرش الدولة العثمانية وهو في 26 من عمره، خلفًا لوالده السلطان سليم الأول. وبعد فترة وجيزة من توليه الحكم، أرسل القانوني سفيرًا إلى ملك المجر يخبره بتوليه الحكم، ويجدد معه الاتفاق السابق ويطالبه بدفع الجزية المفروضة عليه للدولة العثمانية.

غير أن ملك المَجَر استخف بالسلطان الشاب وقام بقتل رسول الدولة العثمانية، لتقع معركة موهاج الشهيرة التي أفنت الجيش الأوروبي في ساعة ونصف. ويدخل القانوني العاصمة المجرية بودابست، وتصبح بلاد المَجَر مقسمة ومنطقة نفوذ عثمانية نمساوية طيلة أربعة قرون لاحقة.

أثارت معركة موهاج الذعر في جميع أنحاء أوروبا، ولا سيما في النمسا. إذ إن بلاد المجر هي منطقة الصدام الأولى بين العثمانيين والنمسا. وإذا سيطر العثمانيون على المَجَر، فهذا يعني أنه لم يتبقى لهم الكثير للوصول إلى النمسا وعاصمتها فِييَنَّا.

هكذا كان فرديناند أرشيدوق النمسا يهاجم المجر بين الحين والآخر، حتى نجح في هزيمة جان زابولي الذي عينه القانوني ملكًا على المجر ونجح في احتلال العاصمة بودابست.

فقرر السلطان العثماني تلقين فرديناند درسًا قاسيًا، ليس فقط بطرده من المجر، بل إنما بمهاجمة النمسا نفسها. وهكذا، في عام 1529 ميلادية، سار القانوني على رأس جيش قوامه ربع مليون جندي، وتمكن من استعادة المَجَر. ليتجه بعدها إلى النمسا، ويحكم الحصار حول العاصمة فيينا.

وبالفعل، تمكن الجيش العثماني من إحداث ثغرة في أسوار فيينا، وهاجم المشاة من خلال الثغرة لعدة أيام. لكنهم لم يستطيعوا النفاذ داخل المدينة.

ولما كانت ذخيرة المدافع العثمانية قد قاربت على النفاذ، ويصعب إمداد الجيش بالمؤن بسبب قرب الشتاء، اضطر القانوني إلى فك الحصار عن فيينا. وعاد إلى إسطنبول.

وفي عام 1531 ميلادية، أعاد سليمان القانوني محاصرة فيينا، لكنه ما لبث أن قبل الصلح مع فرديناند، لتنتهي الحرب بين الدولة العثمانية وبين النمسا مؤقتًا.

تعلن النمسا الحرب على الدولة العثمانية، وتقرر الدولة العثمانية فتح فيينا


في يوليو عام 1564 ميلادية، توفي حاكم النمسا فرديناند الأول، وورثه ابنه الإمبراطور ماكسيميليان الثاني. في ذلك الوقت، كانت النمسا تمر بظروف اقتصادية صعبة، وكانت الموارد المالية محدودة، ومعظمها يأتي من الجزء الذي تحكمه النمسا من المَجَر.

فأراد مكسيميليان في أواخر عام 1565 ميلادية أن يوسع من دائرة سيطرته على المجر، مستغلا اضطراب الدولة العثمانية بعد فشل حصار مالطا.

فنظم حملات عسكرية على الأراضي العثمانية، واستولى النمساويون على مدينة توكاي في الشمال. بل وطالبوا الدولة العثمانية بتسليم بعض المدن الأخرى لهم.

فردت الدولة العثمانية بنشاط عسكري ضد النمسا على الحدود بين كرواتيا التابعة للنمسا والبوسنة التابعة للدولة العثمانية، فأعلن ماكسيميليان الحرب على الدولة العثمانية، فرد السلطان سليمان القانوني بإعلان مماثل.

وهكذا، في عام 1566 ميلادية، أعد القانوني جيشًا ضخمًا من أجل السيطرة على فيينا، لكنه لم يعلم أن الموت سيحول بينه وبين تحقيق هدفه.

معركة سيكتوار


كان السلطان سليمان القانوني في 71 من عمره، مصابا بمرض النقرس. وكان يعاني من نوبة شديدة من نوبات النقرس، حتى إنه كان لا يستطيع المشي.

كان يحمل على محفة للانتقال به من مكان إلى آخر. ورغم مرضه الشديد، أصرَّ على قيادة الجيش والسَّيْر بِه بِاتِّجَاه النِّمْسَا.

لكن بعد وصوله إلى بِلْغرَاد في 27 من يونيو، وصلته الأخبار بوقوع غارة مدمرة على المعسكر العثماني في سيكلوس، القريبة من سيكتوار.

وهي قلعة حصينة في المجر تحيط بها المياه من ثلاث جهات، وتحرسها حامية يبلغ عددها نحو 2300 جندي كرواتي ومَجَري.

يتولى قيادتها الكنت نيكولا الرابع زرينسكي. أمام هذا الخطر المحدق بجيشه في سيكتوار، قرر القانوني إسقاط القلعة قبل استكمال زحفه إلى النمسا.

أضف إلى ذلك أن قلعة سيكتوار كانت تشكل عقبة في طريق القانوني نحو فتح فيينا في 6 من أغسطس عام 1566 بدأ القتال استفتح الجيش العثماني بهجوم عام تصد له المجريون بنجاح بسبب موقع القلعة الجغرافي المتميز. الأمر الذي حال دون تقدم الجيش العثماني.

استمر القتال شهرًا كاملاً، وسط هجمات دموية عنيفة، وإطلاق مدفعي عثماني كثيف، وهجمات مضادة، وجهود عثمانية متواصلة لتقويض الجدران بالمتفجرات.

وإشعال الحطب عند أركان الحصن، وكان القانوني يتابع الأخبار من خيمته المنصوبة في تل قريب يُعرف بتل سيميليهوڤد.

بدأت أعداد المدافعين عن القلعة تتناقص تدريجياً مع القصف، ولكن هذا كان على حساب أكثر من 20 ألف قتيل من الجانب العثماني.

بل وتذكر بعض المصادر أن عدد القتلى في صفوف الجيش العثماني وصل إلى 35 ألفاً خلال تلك المعركة.

وأخيراً، سقطت الحصون الخارجية للقلعة تقريباً في الخامس من سبتمبر، وانسحب بقية المدافعين عن الأسوار إلى القلعة الداخلية الصغيرة.

وفاة السلطان سليمان القانوني قبل النصر في معركة سيكتوار


وصلت أخبار النصر الوشيك للسلطان، لكن وقبل ساعات من النصر، صعدت روح السلطان سليمان القانوني إلى بارئها في 7 من سبتمبر عام 1566 ميلادية، لتنتهي حياته في ميدان القتال كما كانت معظم حياته في حملات عسكرية.

وصلت بدولته إلى ذروة العظمة والقوة. تابع العثمانيون القتال حتى سقطت القلعة أخيراً، وقُتل زرينسكي ليحقق العثمانيون النصر دون أن يعلموا أن السلطان قد توفي.

فقد كان إعلان وفاة السلطان في تلك اللحظات الحاسمة تحطيمًا لمعنويات الجيش.

لذا أبقى القادة العسكريون ومستشار السلطان وفاة القانوني سرًا لمدة 48 يومًا، لأجل الحفاظ على معنويات الجيش العثماني مرتفعة ومنع للفوضى على العرش في إسطنبول أثناء وجودهم في المعركة.

حتى إنهم قاموا بتزوير خط يد السلطان واختامه على ظهر الأوراق التي حملت تعليماته وقراراته، حفاظًا على سر وفاته.

كذلك، قاموا بتزييف موت أحد الخدم ليتمكنوا من نقل جثمان السلطان من المخيم دون علم أي شخص، حرصًا منهم على عدم إشاعة الإحباط بين الجند إثر وفاة السلطان.

وبحسب المؤرخ العثماني أوليا جلبي، فقد أزيل قلب السلطان وكبده وأمعاؤه، ووضعت في وعاء من الذهب، ومن ثم دفنت في خيمته بالقرب من حصن سيكتوار بسبب ارتفاع درجة الحرارة طوال الطريق.

بينما حمل جسد السلطان ليدفن في مسجد السليمانية بإسطنبول. وبسبب موت السلطان، أعلن الصدر الأعظم صقللي محمد باشا الانسحاب والعودة إلى إسطنبول، ليتأجل الزحف العثماني نحو فيينا لمدة 120 سنة أخرى.

لا تنسى ترك تعليق إذا كنت قد استفدت من المقال أعلاه.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال